خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
٧
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
٨
وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ
٩
مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ
١٠
وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
١١
-فاطر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } وعيد لمن أجاب دعاءه ووعد لمن خالفه وقطع للأماني الفارغة، وبناء للأمر كله على الإِيمان والعمل الصالح وقوله:

{ أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً } تقرير له أي أفمن زين له سوء عمله بأن غلب وهمه وهواه على عقله حتى انتكس رأيه فرأى الباطل حقاً والقبيح حسناً، كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه، فحذف الجواب لدلالة: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ } وقيل تقديره أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذف الجواب لدلالة: { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰتٍ } عليه ومعناه فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب، والفاءات الثلاث للسببية غير أن الأوليين دخلتا على السبب والثالثة دخلت على المسبب، وجمع الحسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم أو كثرة مساوي أفعالهم المقتضية للتأسف، وعليهم ليس صلة لها لأن صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب أو بيان للمتحسر عليه. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } فيجازيهم عليه.

{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِى أَرْسَلَ ٱلرّيَاحَ } وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح. { فَتُثِيرُ سَحَـٰباً } على حكاية الحال الماضية استحضاراً لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة، ولأن المراد بيان أحداثها بهذه الخاصية ولذلك أسنده إليها، ويجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر. { فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيّتٍ } وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتشديد. { فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ } بالمطر النازل منه وذكر السحاب كذكره، أو بالسحاب فإنه سبب السبب أو الصائر مطراً. { بَعْدَ مَوْتِهَا } بعد يبسها والعدول فيهما من الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص لما فيهما من مزيد الصنع. { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } أي مثل إحياء الموات نشور الأموات في صحة المقدورية، إذ ليس بينهما إلا احتمال اختلاف المادة في المقيس عليه وذلك لا مدخل له فيها. وقيل في كيفية الإِحياء فإنه تعالى يرسل ماء من تحت العرش تنبت منه أجساد الخلق.

{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ } الشرف والمنعة. { فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً } أي فليطلبها من عنده فإن له كلها، فاستغنى بالدليل عن المدلول. { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرْفَعُهُ } بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح، وصعودهما إليه مجاز عن قبوله إياهما، أو صعود الكتبة بصحيفتهما، والمستكن في { يَرْفَعُهُ } لـ { ٱلْكَلِمُ } فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد ويؤيده أنه نصب { العمل }، أو لـ { العمل } فإنه يحقق الإِيمان ويقويه، أو لله وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة. وقرىء { يَصْعَدُ } على البناءين والمصعد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك. وقيل { ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ } يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن. وعنه عليه الصلاة والسلام "هو سبحان الله والحمد لله ولا إله لا الله والله أكبر، فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن، فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل" . { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ } المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله وإجلائه. { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } لا يؤبه دونه بما يمكرون به. { وَمَكْرُ أُوْلَـئِكَ هُوَ يَبُورُ } يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله:

{ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ } بخلق آدم عليه السلام منه. { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } بخلق ذريته منها. { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوٰجاً } ذكراناً وإناثاً. { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ } إلاَّ معلومة له. { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ } وما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر. { وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره، أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصاً، والضمير له وإن لم يذكر لدلالة مقابله عليه أو للعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم: لا يثيب الله عبداً ولا يعاقبه إلا بحق. وقيل الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل: أن يكون فيه إن حج عمرو فعمره ستون سنة وإلا فأربعون. وقيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقضي فإنه يكتب في صحيفة عمره يوماً فيوماً، وعن يعقوب «وَلاَ يُنقَصُ» على البناء للفاعل. { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } هو علم الله تعالى أو اللوح المحفوظ أو الصحيفة. { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } إشارة إلى الحفظ أو الزيادة أو النقص.