{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ } قدرنا مسيره. { مَنَازِلَ } أو سيره في منازل وهي ثمانية وعشرون: السرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزبانا، الإِكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعدالسعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، الرشا، وهو بطن الحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، فإذا كان في آخر منازله وهو الذي يكون فيه قبيل الإِجتماع دق واستقوس، وقرأ الكوفيون وابن عامر { وَٱلْقَمَرَ } بنصب الراء. { حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ } كالشمراخ المعوج، فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج، وقرىء { كَٱلعُرجُونِ } وهما لغتان كالبزيون والبزيون. { ٱلْقَدِيمِ } العتيق وقيل ما مر عليه حول فصاعداً.
{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا } يصح لها ويتسهل. { أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ } في سرعة سيره فإن ذلك يخل بتكون النبات وتعيش الحيوان، أو في آثاره ومنافعه أو مكانه بالنزول إلى محله، أو سلطانه فتطمس نوره، وإيلاء حرف النفي { ٱلشَّمْسَ } للدلالة على أنها مسخرة لا يتيسر لها إلا ما أريد بها. { وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه، وقيل المراد بهما آيتاهما وهما النيران، وبالسبق سبق القمر إلى سلطان الشمس فيكون عكساً للأول وتبديل الإِدراك بالسبق لأنه الملائم لسرعة سيره. { وَكُلٌّ } وكلهم والتنوين عوض عن المضاف إليه، والضمير للشموس والأقمار فإن اختلاف الأحوال يوجب تعدداً ما في الذات، أو للكواكب فإن ذكرهما مشعر بهما. { فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يسيرون فيه بانبساط.
{ وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ } أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم، أو صبيانهم ونساءهم الذين يستصحبونهم، فإن الذرية تقع عليهن لأنهن مزارعها. وتخصيصهم لأن استقرارهم في السفن أشق وتماسكهم فيها أعجب، وقرأ نافع وابن عامر { ذرياتهم }. { فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } المملوء، وقيل المراد فلك نوح عليه الصلاة والسلام، وحمل الله ذرياتهم فيها أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم هم وذرياتهم، وتخصيص الذرية لأنه أبلغ في الامتنان وأدخل في التعجب مع الإِيجاز.
{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ } من مثل الفلك. { مَا يَرْكَبُونَ } من الإِبل فإنها سفائن البر أو من السفن والزوارق.
{ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ } فلا مغيث لهم يحرسهم عن الغرق، أو فلا إغاثة كقولهم أتاهم الصريخ. { وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } ينجون من الموت به.
{ إِلاَّ رَحْمَةً مّنَّا وَمَتَاعاً } إلا لرحمة ولتمتيع بالحياة. { إِلَىٰ حِينٍ } زمان قدر لآجالهم.
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ } الوقائع التي خلت أو العذاب المعد في الآخرة، أو نوازل السماء ونوائب الأَرض كقوله:
{ { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [سبأ: 9] أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أو عكسه، أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر. { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لتكونوا راجين رحمة الله، وجواب إذا محذوف دل عليه قوله: { وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءَايَةٍ مّنْ ءَايَـٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } كأنه قال وإذا قيل لهم اتقوا العذاب أعرضوا لأنهم اعتادوه وتمرنوا عليه. { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ ٱلله } على محاويجكم. { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالصانع يعني معطلة كانوا بمكة. { لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } تهكماً بهم من إقرارهم به وتعليقهم الأمور بمشيئته. { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } على زعمكم، وقيل قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين إيهاماً بأن الله تعالى لما كان قادراً أن يطعمهم ولم يطعمهم فنحن أحق بذلك، وهذا من فرط جهالتهم فإن الله يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم له. { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } حيث أمرتمونا ما يخالف مشيئة الله، ويجوز أن يكون جواباً من الله لهم أو حكاية لجواب المؤمنين لهم.