خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ
٣٧
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ
٣٨
هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٩
وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ
٤٠
وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ
٤١
ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
٤٢
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ
٤٣
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
٤٤
وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ
٤٥
إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ
٤٦
وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ
٤٧

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرّيحَ } فذللناها لطاعته إجابة لدعوته وقرىء «الرياح». { تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً } لينة من الرخاوة لا تزعزع، أو لا تخالف إرادته كالمأمور المنقاد. { حَيْثُ أَصَابَ } أراد من قولهم أصاب الصواب فأخطأ الجواب.

{ وَٱلشَّيَـٰطِينَ } عطف على { ٱلرّيحَ }. { كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ } بدل منه.

{ وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى ٱلأَصْفَادِ } عطف على كل كأنه فصل الشياطين إلى عملة استعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء والغوص، ومردة قرن بعضهم مع بعض في السلاسل ليكفوا عن الشر، ولعل أجسامهم شفافة صلبة فلا ترى ويمكن تقييدها، هذا والأقرب أن المراد تميل كفهم عن الشرور بالإِقران في الصفد وهو القيد، وسمي به العطاء لأنه يرتبط به المنعم عليه. وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده وأصفده أعطاه عكس وعد وأوعد وفي ذلك نكتة.

{ هَـٰذَا عَطَاؤُنَا } أي هذا الذي أعطيناك من الملك والبسطة والتسلط على ما لم يسلط به غيرك عطائنا. { فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ } فاعط من شئت وامنع من شئت. { بِغَيْرِ حِسَابٍ } حال من المستكن في الأمر، أي غير محاسب على منه وإمساكه لتفويض التصرف فيه إليك أو من العطاء أو صلة له وما بينهما اعتراض. والمعنى أنه عطاء جم لا يكاد يمكن حصره، وقيل الإِشارة إلى تسخير الشياطين، والمراد بالمن والإِمساك إطلاقهم وإبقاءهم في القيد.

{ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } في الآخرة مع ما له من الملك العظيم في الدنيا. { وَحُسْنَ مَئَابٍ } هو الجنة.

{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ } هو ابن عيص بن إسحاق وامرأته ليا بنت يعقوب صلوات الله عليه. { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ } بدل من { عَبْدَنَا } و { أَيُّوبَ } عطف بيان له. { أَنّى مَسَّنِىَ } بأن مسني، وقرأ حمزة بإسكان الياء وإسقاطها في الوصل. { ٱلشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ } بتعب. { وَعَذَابٍ } ألم وهي حكاية لكلامه الذي ناداه به ولولا هي لقال إنه مسه، والإِسناد إلى { ٱلشَّيْطَـٰنِ } إما لأن الله مسه بذلك لما فعل بوسوسته كما قيل إنه أعجب بكثرة ماله أو استغاثة مظلوم فلم يغثه، أو كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه، أو لسؤاله امتحاناً لصبره فيكون اعترافاً بالذنب أو مراعاة للأدب، أو لأنه وسوس إلى أتباعه حتى رفضوه وأخرجوه من ديارهم، أو لأن المراد بالنصب والعذاب ما كان يوسوس إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة ويغريه على الجزع، وقرأ يعقوب بفتح النون على المصدر، وقرىء بفتحتين وهو لغة كالرشد والرشد وبضمتين للتثقيل.

{ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ } حكاية لما أجيب به أي اضرب برجلك الأرض. { هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } أي فضربها فنبعت عين فقيل هذا مغتسل أي ماء تغتسل به وتشرب منه فيبرأ باطنك وظاهرك، وقيل نبعث عينان حارة وباردة فاغتسل من الحارة واشرب من الأخرى.

{ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ } بأن جمعناهم عليه بعد تفرقهم أو أحييناهم بعد موتهم، وقيل وهبنا له مثلهم. { وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ } حتى كان له ضعف ما كان. { رَحْمَةً مّنَّا } لرحمتنا عليه { وَذِكْرَىٰ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } وتذكيراً لهم لينتظروا الفرج بالصبر واللجأ إلى الله فيما يحيق بهم.

{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } عطف على اركض والضغث الحزمة الصغيرة من الحشيش ونحوه. { فَٱضْرِب بّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } روي أن زوجته ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت افراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة فأبطأت فحلف إن برىء ضربها مائة ضربة، فحلل الله يمينه بذلك وهي رخصة باقية في الحدود. { إِنَّا وَجَدْنَـٰهُ صَابِراً } فيما أصابه في النفس والأهل والمال، ولا يخل به شكواه إلى الله من الشيطان فإنه لا يسمى جزعاً كتمني العافية وطلب الشفاء مع أنه قال ذلك خيفة أن يفتنه أو قومه في الدين. { نِعْمَ ٱلْعَبْدُ } أيوب. { إِنَّهُ أَوَّابٌ } مقبل بشراشره على الله تعالى.

{ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرٰهِيمَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } وقرأ ابن كثير «عَبْدَنَا» وضع الجنس موضع الجمع، أو على أن { إِبْرَاهِيمَ } وحده لمزيد شرفه عطف بيان له، { وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } عطف عليه.{ أُوْلِى ٱلأَيْدِى وَٱلأَبْصَـʈرِ } أولي القوة في الطاعة والبصيرة في الدين، أو أولي الأعمال الجليلة والعلوم الشريفة، فعبر بالأيدي عن الأعمال لأن أكثرها بمباشرتها وبالأبصار عن المعارف لأنها أقوى مباديها، وفيه تعريض بالبطلة الجهال أنهم كالزمنى والعماة.

{ إِنَّا أَخْلَصْنٰهُمْ بِخَالِصَةٍ } جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة لا شوب فيها هي: { ذِكْرَى ٱلدَّارِ } تذكرهم الدار الآخرة دائماً فإن خلوصهم في الطاعة بسببها، وذلك لأن مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون جوار الله والفوز بلقائه وذلك في الآخرة، وإطلاق { ٱلدَّارِ } للاشعار بأنها الدار الحقيقية والدنيا معبر، وأضاف نافع وهشام { بِخَالِصَةٍ } إلى { ذِكْرِى } للبيان أو لأنه مصدر بمعنى الخلوص فأضيف إلى فاعله.

{ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم في الخير جمع خير كشر وأشرار. وقيل جمع خير أو خير على تخفيفه كأموات في جمع ميت أو ميت.