خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ
٦
مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ
٧
أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ
٨
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ
٩
أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ
١٠
جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ
١١

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ } وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. { أَنِ ٱمْشُواْ } قائلين بعضهم لبعض { ٱمْشُواْ }. { ٱصْبِرُواْ } واثبتوا. { عَلَىٰ ءَالِهَتِكُمْ } على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته، و { أَنِ } هي المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول يشعر بالقول. وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع في القول، و { ٱمْشُواْ } من مشت المرأة إذا كثرت أولادها ومنه الماشية أي اجتمعوا، وقرىء بغير { أَنٍ } وقرىء «يمشون أن اصبروا». { إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ } إن هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له، أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرئاسة، والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد، أو أن دينكم لشيء يطلب ليؤخذ منكم.

{ مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } بالذي يقوله. { فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلأَخِرَةِ } في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل فإن النصارى يثلثون. ويجوز أن يكون حالاً من هذا أي ما سمعنا من أهل الكتاب ولا الكهان بالتوحيد كائناً في الملة المترقبة. { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } كذب اختلقه.

{ ءَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ مِن بَيْنِنَا } إنكار لاختصاصه بالوحي وهو مثلهم أو أدون منهم في الشرف والرئاسة كقولهم { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] وأمثال ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي. { بْل هُمْ فَي شَكّ مّن ذِكْرِي } من القرآن أو الوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل، وليس في عقيدتهم ما يبتون به من قولهم { هَـٰذَا سَـٰحِرٌ كَذَّابٌ } { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ }. { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال شكهم، والمعنى أنهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب فيلجئهم إلى تصديقه.

{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } بل أعندهم خزائن رحمته وفي تصرفهم حتى يصيبوا بها من شاؤوا ويصرفوها عمن شاؤوا فيتخير للنبوة بعض صناديدهم، والمعنى أن النبوة عطية من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده لا مانع له فإنه العزيز أي الغالب الذي لا يغلب، الوهاب الذي له أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء، ثم رشح ذلك فقال:

{ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } كأنه لما أنكر عليهم التصرف في نبوته بأن ليس عندهم خزائن رحمته التي لا نهاية لها، أردف ذلك بأنه ليس لهم مدخل في أمر هذا العالم الجسماني الذي هو جزء يسير من خزائنه فمن أين لهم أن يتصرفوا فيها. { فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } جواب شرط محذوف أي إن كان لهم ذلك فليصعدوا في المعارج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم، فينزلوا الوحي إلى من يستصوبون. وهو غاية التهكم بهم، والسبب في الأصل هو الوصلة، وقيل المراد بالأسباب السموات لأنها أسباب الحوادث السفلية.

{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ ٱلأَحَزَابِ } أي هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل { مَهْزُومٌ } مكسور عما قريب فمن أين لهم التدابير الإِلهية والتصرف في الأمور الربانية، أو فلا تكترث بما يقولون و { مَا } مزيدة للتقليل كقولك أكلت شيئاً ما، وقيل للتعظيم على الهزء وهو لا يلائم ما بعده، وهنالك إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول.