خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ
٧٥
ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ
٧٦
فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
٧٧
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ
٧٨
ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
٧٩
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
٨٠
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ
٨١
أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٨٣
فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
٨٤
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ
٨٥
-غافر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ ذٰلِكُمْ } الإِضلال. { بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأَرْضِ } تبطرون وتتكبرون. { بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } وهو الشرك والطغيان. { وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } تتوسعون في الفرح، والعدول إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ.

{ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ } الأبواب السبعة المقسومة لكم. { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقدرين الخلود. { فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ } عن الحق جهنم، وكان مقتضى النظم فبئس مدخل المتكبرين ولكن لما كان الدخول المقيد بالخلود بسبب الثواء عبر بالمثوى.

{ فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } بهلاك الكافرين. { حَقّ } كائن لا محالة. { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ } فإن نرك، وما مزيدة لتأكيد الشرطية ولذلك لحقت النون الفعل ولا تلحق مع أن وحدها. { بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ } وهو القتل والأسر. { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل أن تراه. { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم، وهو جواب { نَتَوَفَّيَنَّكَ }، وجواب { نُرِيَنَّكَ } محذوف مثل فذاك، ويجوز أن يكون جواباً لهما بمعنى إن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب، ويدل على شدته الاقتصار بذكر الرجوع في هذا المعرض.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } إذ قيل عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والمذكور قصصهم أشخاص معدودة. { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فإن المعجزات عطايا قسمها بينهم على ما اقتضته حكمته كسائر القسم، ليس لهم اختيار في إيثار بعضها والاستبداد بإتيان المقترح بها. { فَإِذَا جَـاءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } بالعذاب في الدنيا أو الآخرة. { قُضِىَ بِٱلْحَقّ } بإنجاء المحق وتعذيب المبطل. { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } المعاندون باقتراح الآيات بعد ظهور ما يغنيهم عنها.

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } فإن من جنسها ما يؤكل كالغنم ومنها ما يؤكل ويركب كالإِبل والبقر.

{ وَلَكُمْ فيِهَا مَنَـٰفِعُ } كالألبان والجلود والأوبار. { وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِى صُدُورِكُمْ } بالمسافرة عليها. { وَعَلَيْهَا } في البر. { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } في البحر. { تُحْمَلُونَ } وإنما قال { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } ولم يقل في الفلك للمزاوجة، وتغيير النظم في الأكل لأنه في حيز الضرورة. وقيل لأنه يقصد به التعيش وهو من الضروريات والتلذذ والركوب والمسافرة عليها قد تكون لأغراض دينية واجبة أو مندوبة، أو للفرق بين العين والمنفعة.

{ وَيُرِيكُمْ ءايَـٰتِهِ } دلائله الدالة على كمال قدرته وفرط رحمته. { فَأَىَّ آيَاتِ اللهِ } أي فأي آية من تلك الآيات. { تُنكِرُونَ } فإنها لظهورها لا تقبل الإِنكار، وهو ناصب «أي» إذا لو قدرته متعلقاً بضميره كان الأولى رفعه والتفرقة بالتاء في أي أغرب منها في الأسماء غير الصفات لإبهامه.

{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَءاثَاراً فِى ٱلأَرْضِ } ما بقي منهم من القصور والمصانع ونحوهما، وقيل آثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم. { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } «ما» الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى، والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به.

{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } بالمعجزات أو الآيات الواضحات. { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } واستحقروا علم الرسل، والمراد بالعلم عقائدهم الزائغة وشبههم الداحضة كقوله: { بَلِ ٱدرَكَ عِلْمُهُمْ فِى ٱلاْخِرَةِ } [النمل: 66] وهو قولهم: لا نبعث ولا نعذب، وما أظن الساعة قائمة ونحوها، وسماها علماً على زعمهم تهكماً بهم، أو علم الطبائع والتنجيم والصنائع ونحو ذلك، أو علم الأنبياء، وفرحهم به ضحكهم منه واستهزاؤهم به ويؤيده: { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } وقيل الفرح أيضاً للرسل فإنهم لما رأوا تمادي جهل الكفار وسوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله عليه وحاق بالكافرين جزاء جهلهم واستهزائهم.

{ فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } شدة عذابنا. { قَالُواْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } يعنون الأصنام.

{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } لامتناع قبوله حينئذ ولذلك قال: { لَمْ يَكُ } بمعنى لم يصح ولم يستقم، والفاء الأولى لأن قوله: { فَمَا أَغْنَىٰ } كالنتيجة لقوله: { كَانُواْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ }، والثانية لأن قوله: { فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم } كالتفسير لقوله: { فَمَا أَغْنَىٰ } والباقيتان لأن رؤية البأس مسببة عن مجيء الرسل وامتناع نفي الإِيمان مسبب عن الرؤية. { سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ } أي سن الله ذلك سنة ماضية في العباد وهي من المصادر المؤكدة. { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } أي وقت رؤيتهم البأس، اسم مكان استعير للزمان. عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له" .