خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
٢
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٣
بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ
٤
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ
٥
قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ
٦
ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٧
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
٨
قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٩
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ
١٠
ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ
١١
-فصلت

انوار التنزيل واسرار التأويل

مكية وآيها ثلاث أو أربع وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{ حَـمَ } إن جعلته مبتدأ فخبره.

{ تَنزِيلٌ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } وإن جعلته تعديداً للحروف فـ { تَنزِيلَ } خبر محذوف أو مبتدأ لتخصصه بالصفة وخبره:

{ كِتَابٌ } وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف، ولعل افتتاح هذه السور السبع بـ { حـم } وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى، وإضافة الـ { تَنزِيلَ } إلى { ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية. { فُصّلَتْ ءايَـٰتُهُ } ميزت باعتبار اللفظ والمعنى. وقرىء { فُصّلَتْ } أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني، أو فصلت بين الحق والباطل. { قُرْءاناً عَرَبِيّاً } نصب على المدح أو الحال من { فُصّلَتْ }، وفيه امتنان بسهولة قراءاته وفهمه. { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر، وهو صفة أخرى لـ { قُرْءاناً } أو صلة لـ { تَنزِيلَ }، أو لـ { فُصّلَتْ }، والأول أولى لوقوعه بين الصفات.

{ بَشِيراً وَنَذِيراً } للعاملين به والمخالفين له، وقرئا بالرفع على الصفة للـ { كِتَابٌ } أو الخبر لمحذوف. { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ } عن تدبره وقبوله. { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } سماع تأمل وطاعة.

{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ } أغطية جمع كنان. { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءَاذانِنَا وَقْرٌ } صمم، وأصله الثقل، وقرىء بالكسر. { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } يمنعنا عن التواصل، ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ. وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم. { فَٱعْمَلْ } على دينك أو في إبطال أمرنا. { إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ } على ديننا أو في إبطال أمرك.

{ قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } لست ملكاً ولا جنياً لا يمكنكم التلقي منه، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والاسماع، وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل، وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل. { فَٱسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ } فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه، أو فاستووا إليه بالتوحيد والإِخلاص في العمل. { وَٱسْتَغْفِرُوهُ } مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل، ثم هددهم على ذلك فقال: { وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ } من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله.

{ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق، وذلك من أعظم الرذائل، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع. وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإِيمان والطاعة. { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَـٰفِرُونَ } حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ أَجْرٌ } عظيم. { غَيْرُ مَمْنُونٍ } لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل، أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته. وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون.

{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ } في مقدار يومين، أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون. ولعل المراد من { ٱلأَرْضِ } ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها { فِى يَوْمَيْنِ } أنه خلق لها أصلاً مشتركاً ثم خلق لها صوراً بها صارت أنواعاً، وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته. { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً } ولا يصح أن يكون له ند. { ذٰلِكَ } الذي { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ }. { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها.

{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } استئناف غير معطوف على { خَلقَ } للفصل بما هو خارج عن الصلة. { مّن فَوْقِهَا } مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب. { وَبَـٰرَكَ فِيهَا } وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان. { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به، أو أقواتاً تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها، وقرىء «وقسم فِيهَا أَقْوٰتَهَا».{ فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } في تتمة أربعة أيام كقولك: سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً. ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإِشعار باتصالهما باليومين الأولين. والتصريح على الفذلكة. { سَوَاءٌ } أي استوت سواء بمعنى استواء، والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر. وقيل حال من الضمير في أقواتها أو في فيها، وقرىء بالرفع على هي سواء. { لّلسَّائِلِينَ } متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها، أو بقدر أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها.

{ ثُمَّ ٱسْتَوَى إِلَى ٱلسَّمَاء } قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجهاً لا يلوي على غيره، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله: { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَـٰهَا } [النازعات: 30] ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها. { وَهِىَ دُخَانٌ } أمر ظلماني، ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المتصغرة التي كتب منها { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا } بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة. أو { ٱئْتِيَا } في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة، أو الإِخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة، وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما ويؤيده قراءة «آتيا» في المؤاتاة أي لتوافق كل واحدة أختها فيما أردت منكما. { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما، وهما مصدران وقعا موقع الحال. { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } منقادين بالذات، والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها، وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله: { كُنْ فَيَكُونُ } [البقرة: 117] وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير، وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله: { { سَـٰجِدِينَ } [الأعراف: 120]