خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
٣١
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٣٢
وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ
٣٣
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ
٣٤
وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ
٣٥
وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
٣٦
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ
٣٧
حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ
٣٨
وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ
٣٩
أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٤٠
-الزخرف

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ } من إحدى القريتين مكة والطائف. { عظِيمٌ } بالجاه والمال كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي، فإن الرسالة منصب عظيم لا يليق إلا بعظيم، ولم يعلموا أنها رتبة روحانية تستدعي عظم النفس بالتحلي بالفضائل والكمالات القدسية، لا التزخرف بالزخارف الدنيوية.

{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتِ رَبّكَ } إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم، والمراد بالرحمة النبوة. { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } وهم عاجزون عن تدبيرها وهي خويصة أمرهم في دنياهم، فمن أين لهم أن يدبروا أمر النبوة التي هي أعلى المراتب الإنسية، وإطلاق المعيشة يقتضي أن يكون حلالها وحرامها من الله. { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ } وأوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره. { لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } ليستعمل بعضهم بعضاً في حوائجهم فيحصل بينهم تآلف وتضام ينتظم بذلك نظام العالم، لا لكمال في الموسع ولا لنقص في المقتر، ثم إنه لا اعتراض لهم علينا في ذلك ولا تصرف فكيف يكون فيما هو أعلى منه. { وَرَحْمَتُ رَبَّكَ } يعني هذه النبوة وما يتبعها. { خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } من حطام الدنيا والعظيم من رزق منها لا منه.

{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً } لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه. { لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ } ومصاعد جمع معراج، وقرىء و «معاريج» جمع معراج. { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } يعلون السطوح لحقارة الدنيا، و { لِبُيُوتِهِمْ } بدل من { لِمَنْ } بدل الاشتمال أو على كقولك: وهبت له ثوباً لقميصه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «وسقفاً» اكتفاء بجميع البيوت، وقرىء «سقفاً» بالتخفيف و «سقوفاً» و «سقفاً» وهي لغة في سقف. { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوٰباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } أي أبواباً وسرراً من فضة.

{ وَزُخْرُفاً } وزينة عطف على { سَقْفاً } أو ذهباً عطف على محل من فضة { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } إِن هي المخففة واللام هي الفارقة. وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه لما بالتشديد بمعنى إلا وأن نافية، وقرىء به مع أن وما { وَٱلأَخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ } عَن الكفر والمعاصي، وفيه دلالة على أن العظيم هو العظيم في الآخرة لا في الدنيا، وإشعار بما لأجله لم يجعل ذلك للمؤمنين حتى يجتمع الناس على الإِيمان، وهو أنه تمتع قليل بالإِضافة إلى ما لهم في الآخرة مخل به في الأغلب لما فيه من الآفات قل من يتخلص عنها كما أشار إليه بقوله:

{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وإنهماكه في الشهوات، وقرىء« يَعْشَ» بالفتح أي يعم يقال عشي إذا كان في بصره آفة وعشى إذا تعشى بلا آفة كعرج وعرج، وقرىء «يعشو» على أن { مِنْ } موصولة. { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } يوسوسه ويغويه دائماً، وقرأ يعقوب بالياء على إسناده إلى ضمير { ٱلرَّحْمَـٰنُ }، ومن رفع «يعشو» ينبغي أن يرفع { نُقَيّضْ }.

{ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } عن الطريق الذي من حقه أن يسبل، وجمع الضميرين للمعنى إذ المراد جنس العاشي والشيطان المقيض له. { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } الضمائر الثلاثة الأول له والباقيان للشيطان.

{ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا } أي العاشي، وقرأ الحجازيان وابن عامر وأبو بكر «جاءانا» أي العاشي والشيطان. { قَالَ } أي العاشي للشيطان. { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } بعد المشرق من المغرب، فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما. { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } أنت.

{ وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } أي ما أنتم عليه من التمني. { إِذ ظَّلَمْتُمْ } إذ صح إنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا بدل من { ٱلْيَوْمَ }. { أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وشياطينكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه، ويجوز أن يسند الفعل إليه بمعنى. ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في أمر صعب معاونتهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لمكابدة عنائه، إذ لكل منكم ما لا تسعه طاقته. وقرىء { إِنَّكُمْ } بالكسر وهو يقوي الأول.

{ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ } إِنكار وتعجب من أن تحمل هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى مقروناً بالصمم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعب نفسه في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا غياً فنزلت. { وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } عطف على { ٱلْعَمَىٰ } باعتبار تغاير الوصفين، وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى.