خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٨٧
ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٨٨
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ
٨٩
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ
٩٠
وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
٩١
وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ
٩٢
-الأنعام

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَمِنْ ءابَائِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ وَإِخْوٰنِهِمْ } عطف على { كَلاَّ } أو { نُوحاً } أي فضلنا كلاً منهم، أو هدينا هؤلاء وبعض آبائهم وذرياتهم وإخوانهم فإن منهم من لم يكن نبياً ولا مهدياً. { وَٱجْتَبَيْنَـٰهُمْ } عطف على { فَضَّلْنَا } أو { هَدَيْنَا }. { وَهَدَيْنَـٰهُمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } تكرير لبيان ما هدوا إليه.

{ ذٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ } إشارة إلى ما دانوا به. { يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ } دليل على أنه متفضل عليهم بالهداية. { وَلَوْ أَشْرَكُواْ } أي ولو أشرك هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع فضلهم وعلو شأنهم. { لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } لكانوا كغيرهم في حبوط أعمالهم بسقوط ثوابها.

{ أُوْلَـٰئكَ ٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } يريد به الجنس. { وَٱلْحُكْمَ } الحكمة أو فصل الأمر على ما يقتضيه الحق. { وَٱلنُّبُوَّةَ } والرسالة. { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا } أي بهذه الثلاثة. { هَـؤُلاء } يعني قريشاً. { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا } أي بمراعاتها. { قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَـٰفِرِينَ } وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المذكورون ومتابعوهم. وقيل هم الأنصار أو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو كل من آمن به أو الفرس. وقيل الملائكة.

{ أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } يريد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المتقدم ذكرهم. { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } فاختص طريقهم بالاقتداء والمراد بهداهم ما توافقوا عليه من التوحيد وأصول الدين دون الفروع المختلف فيها، فإنها ليست هدى مضافاً إلى الكل ولا يمكن التأسي بهم جميعاً. فليس فيه دليل على أنه عليه الصلاة والسلام متعبد بشرع من قبله، والهاء في { ٱقْتَدِهْ } للوقف ومن أثبتها في الدرج ساكنة كابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم أجرى الوصل مجرى الوقف، ويحذف الهاء في الوصل خاصة حمزة والكسائي وأشبعها بالكسر ابن عامر برواية ابن ذكوان على أنها كناية المصدر وكسرها بغير إشباع برواية هشام. { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أي على التبليغ أو القرآن. { أَجْراً } جعلاً من جهتكم كما لم يسأل من قبلي من النبيين، وهذا من جملة ما أمر بالاقتداء بهم فيه. { إِنْ هُوَ } أي التبليغ أو القرآن أو الغرض. { إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰلَمِينَ } إلا تذكيراً وموعظة لهم.

{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } وما عرفوه حق معرفته في الرحمة والإِنعام على العباد. { إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مّن شَىْء } حين أنكروا الوحي وبعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وذلك من عظائم رحمته وجلائل نعمته أو في السخط على الكفار وشدة البطش بهم حين جسروا على هذه المقالة، والقائلون هم اليهود قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن بدليل نقض كلامهم، وإلزامهم بقوله: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَاء بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لّلنَّاسِ } وقراءة الجمهور { تَجْعَلُونَهُ قَرٰطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } بالتاء وإنما قرأ بالياء ابن كثير وأبو عمرو حملاً على قالوا وما قدروا، وتضمن ذلك توبيخهم على سوء جهلهم بالتوراة وذمهم على تجزئتها بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرقة وإخفاء بعض لا يشتهونه. وروي "أن مالك بن الصيف قاله لما أغضبه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أن الله يبغض الحبر السمين قال: نعم إن الله يبغض الحبر السمين، قال عليه الصلاة والسلام: فأنت الحبر السمين" وقيل هم المشركون وإلزامهم بإنزال التوراة لأنه كان من المشهورات الذائعة عندهم ولذلك كانوا يقولون { { لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَـٰبُ لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ } [الأنعام: 157] { وَعُلّمْتُمْ } على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. { مَا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ } زيادة على ما في التوراة وبياناً لما التبس عليكم وعلى آبائكم الذين كانوا أعلم منكم ونظيره { { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [النمل: 76] وقيل الخطاب لمن آمن من قريش { قُلِ ٱللَّهُ } أي أنزله الله، أو الله أنزله. أمره بأن يجيب عنهم إشعاراً بأن الجواب متعين لا يمكن غيره، وتنبيهاً على أنهم بهتوا بحيث إنهم لا يقدرون على الجواب. { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ } في أباطيلهم فلا عليك بعد التبليغ وإلزام الحجة. { يَلْعَبُونَ } حال من هم الأول، والظرف صلة ذرهم أو يلعبون أو حال منهم الأول، والظرف صلة ذرهم أو يلعبون أو حال من مفعوله، أو فاعل يلعبون أو من هم الثاني والظرف متصل بالأول.

{ وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } كثير الفائدة والنفع. { مُّصَدّقُ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ } يعني التوراة أو الكتب التي قبله. { وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } عطف على ما دل عليه مبارك أي للبركات ولتنذر أو علة لمحذوف أي ولتنذر أهل أم القرى أنزلناه، وإنما سميت مكة بذلك لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم ومجتمعهم وأعظم القرى شأناً. وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها، أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس. وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء «وليندز» الكتاب. { وَمَنْ حَوْلَهَا } أهل الشرق والغرب. { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر حتى يؤمن بالنبي والكتاب، والضمير يحتملهما ويحافظ على الطاعة وتخصيص الصلاة لأنها عماد الدين وعلم الإِيمان.