خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠٩
لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١١٠
إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١١١
ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١١٢
-التوبة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْاْ } بناؤهم الذي بنوه مصدر أريد به المفعول وليس بجمع ولذلك قد تدخله التاء ووصف بالمفرد وأخبر عنه بقوله: { رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ } أي شكا ونفاقاً، والمعنى أن بناءهم هذا لا يزال سبب شكهم وتزايد نفاقهم فإنه حملهم على ذلك ثم لما هدمه الرسول صلى الله عليه وسلم رسخ ذلك في قلوبهم وازداد بحيث لا يزول وسمه عن قلوبهم. { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } قطعاً بحيث لا يبقى لها قابلية الإِدراك وهو في غاية المبالغة والاستثناء. من أعم الأزمنة. وقيل المراد بالتقطع ما هو كائن بالقتل أو في القبر أو في النار. وقيل التقطع بالتوبة ندماً وأسفاً. وقرأ يعقوب «إلى» بحرف الانتهاء و { تُقَطَّعَ } بمعنى تتقطع وهو قراءة ابن عامر وحمزة وحفص. وقرىء «يقطع» بالياء و { تُقَطَّعَ } بالتخفيف و { تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } على خطاب الرسول، أو كل مخاطب ولو قطعت على البناء للفاعل والمفعول. { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بنياتهم. { حَكِيمٌ } فيما أمر بهدم بنيانهم.

{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ } تمثيل لإثابة الله إياهم الجنة على بذل أنفسهم وأموالهم في سبيله. { يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } استئناف ببيان ما لأجله الشراء. وقيل { يُقَـٰتَلُونَ } في معنى الأمر. وقرأ حمزة والكسائي بتقديم المبني للمفعول وقد عرفت أن الواو لا توجب الترتيب وأن فعل البعض قد يسند إلى الكل. { وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا } مصدر مؤكد لما دل عليه الشراء فإنه في معنى الوعد. { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ } مذكوراً فيهما كما أثبت في القرآن. { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } مبالغة في الإِنجاز وتقرير لكونه حقاً. { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ } فافرحوا به غاية الفرح فإنه أوجب لكم عظائم المطالب كما قال: { وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }.

{ ٱلتَّـٰئِبُونَ } رفع على المدح أي هم التائبون، والمراد بهم المؤمنون المذكورون ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره التائبون من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا لقوله: { { وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ } [النساء: 95] أو خبره ما بعده أي التائبون عن الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال. وقرىء بالياء نصباً على المدح أو جراً صفة للمؤمنين. { ٱلْعَـٰبِدُونَ } الذين عبدوا الله مخلصين له الدين. { ٱلْحَـٰمِدُونَ } لنعمائه أو لما نابهم من السراء والضراء. { ٱلسَّـٰئِحُونَ } الصائمون لقوله صلى الله عليه وسلم "سياحة أمتي الصوم" شبه بها لأنه يعوق عن الشهوات أو لأنه رياضة نفسانية يتوصل بها إلى الاطلاع على خفايا الملك والملكوت، أو السائحون للجهاد أو لطلب العلم. { ٱلركِعُونَ ٱلسَّـٰجِدونَ } في الصلاة. { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } بالإِيمان والطاعة. { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } عن الشرك والمعاصي، والعاطف فيه للدلالة على أنه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة كأنه قال: الجامعون بين الوصفين، وفي قوله تعالى: { وَٱلْحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } أي فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل وهذا مجملها. وقيل إنه للايذان بأن التعداد قد تم بالسابع من حيث أن السبعة هو العدد التام والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه ولذلك سمي واو الثمانية. { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني به هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل، ووضع { ٱلْمُؤْمِنِينَ } موضع ضميرهم للتنبيه على أن إيمانهم دعاهم إلى ذلك، وأن المؤمن الكامل من كان كذلك وحذف المبشر به للتعظيم كأنه قيل: وبشرهم بما يجل عن إحاطة الأفهام وتعبير الكلام.