خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ
٤٥
قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ
٤٦
قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٤٧
-هود

تفسير القرآن العظيم

هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عليه السلام عن حال ولده الذي غرق { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى } أي: وقد وعدتني بنجاة أهلي، ووعدك الحق الذي لا يخلف، فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين؟ { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي: الذين وعدت إنجاءهم؛ لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك، ولهذا قال: { { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْ } [المؤمنون: 27] فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق؛ لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحاً عليه السلام، وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه، وإنما كان ابن زنية، ويحكى القول بأنه ليس بابنه، وإنما كان ابن امرأته، عن مجاهد والحسن وعبيد بن عمير وأبي جعفر الباقر وابن جرير، واحتج بعضهم بقوله: { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } وبقوله: { { فَخَانَتَاهُمَا } [التحريم: 10] فممن قاله الحسن البصري، احتج بهاتين الآيتين، وبعضهم يقول: ابن امرأته، وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن، أو أراد أنه نسب إليه مجازاً؛ لكونه كان ربيباً عنده، فالله أعلم. وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، قال: وقوله: { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي: الذين وعدتك نجاتهم، وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه؛ فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة، ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه، ولهذا قال تعالى: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ لَّوْلاَ جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [النور:11-14].

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة، وغيره عن عكرمة عن ابن عباس قال: هو ابنه، غير أنه خالفه في العمل والنية، قال عكرمة في بعض الحروف: إنه عمل عملاً غير صالح، والخيانة تكون على غير باب، وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بذلك، فقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } وسمعته يقول: { { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ } [الزمر: 53] ولا يبالي { { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [الزمر: 53] وقال أحمد أيضاً: حدثنا وكيع، حدثنا هارون النحوي عن ثابت البناني عن شهر بن حوشب عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها: { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } أعاده أحمد أيضاً في مسنده، أم سلمة هي أم المؤمنين، والظاهر والله أعلم أنها أسماء بنت يزيد، فإنها تكنى بذلك أيضاً. وقال عبد الرزاق أيضاً: أنبأنا الثوري عن ابن عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قبة قال: سمعت ابن عباس سئل، وهو إلى جنب الكعبة، عن قول الله: { { فَخَانَتَاهُمَا } [التحريم: 10] قال: أما إنه لم يكن بالزنا، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون، وكانت هذه تدل على الأضياف، ثم قرأ { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ } قال ابن عيينة: وأخبرني عمار الدهني: أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك، فقال: كان ابنَ نوح، إن الله لا يكذب، قال تعالى: { وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } قال: وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة نبي قط. وكذا روي عن مجاهد أيضاً وعكرمة والضحاك وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج، وهو اختيار أبي جعفر بن جرير، وهو الصواب الذي لا شك فيه.