خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٨
وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ
٦٠
قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
٦١
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٦٢
-يوسف

تفسير القرآن العظيم

ذكر السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين أن السبب الذي أقدم إخوة يوسف بلاد مصر، أن يوسف عليه السلام لما باشر الوزارة بمصر، ومضت السبع السنين المخصبة، ثم تلتها السبع السنين المجدبة، وعم القحط بلاد مصر بكمالها، ووصل إلى بلاد كنعان، وهي التي فيها يعقوب عليه السلام وأولاده، وحينئذ احتاط يوسف عليه السلام للناس في غلاتهم، وجمعها أحسن جمع، فحصل من ذلك مبلغ عظيم، وهدايا متعددة هائلة، وورد عليه الناس من سائر الأقاليم والمعاملات، يمتارون لأنفسهم وعيالهم، فكان لا يعطي الرجل أكثر من حمل بعير في السنة، وكان عليه السلام، لا يشبع نفسه، ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النهار، حتى يتكفأ الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين، وكان رحمة من الله على أهل مصر.

وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الأولى بالأموال، وفي الثانية بالمتاع، وفي الثالثة بكذا، وفي الرابعة بكذا، حتى باعهم بأنفسهم وأولادهم بعد ما تملك عليهم جميع ما يملكون، ثم أعتقهم، ورد عليهم أموالهم كلها، الله أعلم بصحة ذلك، وهو من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوة يوسف عن أمر أبيهم لهم في ذلك، فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه، فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاماً، وركبوا عشرة نفر، واحتبس يعقوب عليه السلام عنده ابنه بنيامين شقيق يوسف عليه السلام، وكان أحب ولده إليه بعد يوسف، فلما دخلوا على يوسف، وهو جالس في أبهته ورياسته وسيادته، عرفهم حين نظر إليهم، وهم له منكرون، أي: لا يعرفونه؛ لأنهم فارقوه وهو صغير حدث، وباعوه للسيارة، ولم يدروا أين يذهبون به، ولا كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه، فلهذا لم يعرفوه، وأما هو، فعرفهم. فذكر السدي وغيره أنه شرع يخاطبهم، فقال لهم كالمنكر عليهم: ما أقدمكم بلادي؟ فقالوا: أيها العزيز إنا قدمنا للميرة، قال: فلعلكم عيون؟ قالوا: معاذ الله قال: فمن أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان، وأبونا يعقوب نبي الله. قال: وله أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا اثني عشر، فذهب أصغرنا، هلك في البرية، وكان أحبنا إلى أبيه، وبقي شقيقه، فاحتبسه أبوه ليتسلى به عنه، فأمر بإنزالهم وإكرامهم { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } أي: أوفى لهم كيلهم، وحمل لهم أحمالهم، قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم؛ لأعلم صدقكم فيما ذكرتم { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّىۤ أُوفِى ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } يرغبهم في الرجوع إليه، ثم رهبهم فقال: { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى } الآية، أي: إن لم تقدموا به معكم في المرة الثانية، فليس لكم عندي ميرة، { وَلاَ تَقْرَبُونِ قَالُواْ سَنُرَٰوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَـٰعِلُونَ } أي: سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن، ولا نبقي مجهوداً؛ لتعلم صدقنا فيما قلناه، وذكر السدي أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم، وفي هذا نظر؛ لأنه أحسن إليهم ورغبهم كثيراً، وهذا لحرصه على رجوعهم، { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ } أي: غلمانه { ٱجْعَلُواْ بِضَـٰعَتَهُمْ } أي: التي قدموا بها؛ ليمتاروا عوضاً عنها { فِى رِحَالِهِمْ } أي: في أمتعتهم من حيث لا يشعرون، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } بها، قيل: خشي يوسف عليه السلام أن لا يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها. وقيل: تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضاً عن الطعام، وقيل: أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجاً وتورعاً؛ لأنه يعلم ذلك منهم، والله أعلم.