خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ
٢٤
تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٢٥
وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ
٢٦
-إبراهيم

تفسير القرآن العظيم

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: { مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً } شهادة أن لا إله إلا الله { كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } وهو المؤمن، { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } يقول: لا إله إلا الله في قلب المؤمن، { وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ } يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء، وهكذا قال الضحاك وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وغير واحد: إن ذلك عبارة عن عمل المؤمن، وقوله الطيب، وعمله الصالح، وإن المؤمن كشجرة من النخل، لا يزال يرفع له عمل صالح في كل حين ووقت وصباح ومساء، وهكذا رواه السدي عن مرة عن ابن مسعود قال: هي النخلة، وشعبة عن معاوية بن قرة عن أنس: هي النخلة. وحماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقناع بسر، فقرأ: { مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } قال: هي "النخلة" وروي من هذا الوجه ومن غيره عن أنس موقوفاً، وكذا نص عليه مسروق ومجاهد وعكرمة وسعيد ابن جبير والضحاك وقتادة وغيرهم.

وقال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أخبروني عن شجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها صيفاً ولا شتاء، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها" قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هي النخلة" ، فلما قمنا، قلت لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة. قال: ما منعك أن تتكلم؟ قلت: لم أركم تتكلمون، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً، قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إليَّ من كذا وكذا.

وقال أحمد: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: صحبت ابن عمر إلى المدينة، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً، واحداً، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بُجمَّار، فقال: "من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم" فأردت أن أقول: هي النخلة، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم فسكتُّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هي النخلة" ، أخرجاه. وقال مالك وعبد العزيز عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: "إن من الشجر شجرة لا يطرح ورقها مثل المؤمن" . قال: فوقع الناسُ في شجر البوادي، ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هي النخلة" ، أخرجاه أيضاً.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، يعني: ابن زيد العطار، حدثنا قتادة: أن رجلاً قال: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، فقال: "أرأيت لو عمد إلى متاع الدنيا، فركب بعضه على بعض، أكان يبلغ السماء؟ أفلا أخبرك بعمل أصله في الأرض وفرعه في السماء؟" قال: ما هو يا رسول الله؟ قال: "تقول لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، عشر مرات في دبر كل صلاة، فذاك أصله في الأرض وفرعه في السماء" . وعن ابن عباس: { كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } قال: هي شجرة في الجنة. وقوله: { تُؤْتِىۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ } قيل: غدوة وعشياً، وقيل: كل شهر. وقيل: كل شهرين. وقيل: كل ستة أشهر. وقيل: كل سبعة أشهر. وقيل: كل سنة، والظاهر من السياق أن المؤمن مثله كمثل شجرة لا يزال يوجد منها ثمر في كل وقت من صيف أو شتاء، أو ليل أو نهار، كذلك المؤمن لا يزال يرفع له عمل صالح آناء الليل وأطراف النهار في كل وقت وحين { بِإِذْنِ رَبِّهَا } أي: كاملاً حسناً كثيراً طيباً مباركاً { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }.

وقوله تعالى: { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } هذا مثل كفر الكافر، لا أصل له ولا ثبات، مشبه بشجرة الحنظل، ويقال لها: الشريان، رواه شعبة عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك: أنها شجرة الحنظل. وقال أبو بكر البزار الحافظ: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع، حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أنس، أحسبه رفعه، قال: { مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } قال: هي النخلة، { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } قال: هي الشريان، ثم رواه عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة، عن معاوية عن أنس موقوفاً. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، هو ابن سلمة، عن شعيب بن الحبحاب، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "{ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ } هي الحنظلة" فأخبرت بذلك أبا العالية، فقال: هكذا كنا نسمع. ورواه ابن جرير من حديث حماد بن سلمة به.

ورواه أبو يعلى في مسنده بأبسط من هذا، فقال: حدثنا غسان عن حماد عن شعيب، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بقناع عليه بسر، فقال: { مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ تُؤْتِىۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } فقال: "هي النخلة" { وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } قال: "هي الحنظل" قال شعيب: فأخبرت بذلك أبا العالية، فقال: كذلك كنا نسمع. وقوله: { ٱجْتُثَّتْ } أي: استؤصلت { مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } أي: لا أصل لها ولا ثبات، كذلك الكفر، لا أصل له ولافرع، ولا يصعد للكافر عمل، ولا يتقبل منه شيء.