خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ
٤٩
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ
٥٠
لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٥١
-إبراهيم

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ } وتبرز الخلائق لديانها، ترى يا محمد يومئذ المجرمين، وهم الذين أجرموا بكفرهم وفسادهم { مُّقَرَّنِينَ } أي: بعضهم إلى بعض، قد جمع بين النظراء أو الأشكال منهم، كل صنف إلى صنف، كما قال تعالى: { { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَٰجَهُمْ } [الصافات: 22] وقال: { { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } [التكوير: 7] وقال: { { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [الفرقان: 13] وقال: { { وَٱلشَّيَـٰطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ وَءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى ٱلأَصْفَادِ } [ص:37-38] والأصفاد هي القيود، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والأعمش وعبد الرحمن بن زيد، وهو مشهور في اللغة، قال عمرو بن كلثوم:

فَآبُوا بالثيابِ وبالسَّباياوأُبْنا بالمُلوكِ مُصَفَّدِينا

وقوله: { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } أي: ثيابهم التي يلبسونها من قطران، وهو الذي تهنأ به الإبل، أي: تطلى، قال قتادة: وهو ألصق شيء بالنار. ويقال فيه: قطران، بفتح القاف وكسر الطاء وتسكينها، وبكسر القاف وتسكين الطاء، ومنه قول أبي النجم:

كَأَنَّ قطْراناً إذا تَلاهاتَرْمي بهِ الريحُ إلى مَجْراها

وكان ابن عباس يقول: القطران هنا: النحاس المذاب، وربما قرأها: { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } أي: من نحاس حار قد انتهى حره، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة. وقوله: { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } كقوله: { { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ } [المؤمنون: 104] وقال الإمام أحمدرحمه الله : حدثنا يحيى بن إسحاق، أنبأنا أبان بن يزيد عن يحيى ابن أبي كثير عن زيد عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربع من أمر الجاهلية لا يُتْرَكن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت، والنائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب" انفرد بإخراجه مسلم. وفي حديث القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النائحة إذا لم تتب، توقف في طريق بين الجنة والنار، وسرابيلها من قطران، وتغشى وجهها النار"

وقوله: { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } أي: يوم القيامة كما قال: { { لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ } [النجم: 31] الآية، { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يحتمل أن يكون كقوله تعالى: { { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } [الأنبياء: 1] ويحتمل أنه في حال محاسبته لعبده سريع النجاز؛ لأنه يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه خافية، وإن جميع الخلق بالنسبة إلى قدرته كالواحد منهم؛ كقوله تعالى: { { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَٰحِدَةٍ } [لقمان: 28] وهذا معنى قول مجاهد: { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } إحصاء، ويحتمل ان يكون المعنيان مرادين، والله أعلم.