خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ
٦٦
وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٦٧
-النحل

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: { وَإِنَّ لَكُمْ } أيها الناس{ فِى ٱلأَنْعَـٰمِ } وهي الإبل والبقر والغنم { لَعِبْرَةً } أي: لآية ودلالة على حكمة خالقها وقدرته ورحمته ولطفه { نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ } أفردها ههنا عوداً على معنى النعم، أو الضمير عائد على الحيوان، فإن الأنعام حيوانات، أي: نسقيكم مما في بطن هذا الحيوان، وفي الآية الأخرى: مما في بطونها، ويجوز هذا وهذا، كما في قوله تعالى: { { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } [عبس: 11-12] وفي قوله تعالى: { { وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } [النمل:35-36] أي: المال.

وقوله: { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا } أي: يتخلص اللبن بياضه وطعمه وحلاوته، ما بين فرث ودم في باطن الحيوان، فيسري كل إلى موطنه إذا نضج الغذاء في معدته، فيصرف منه دم إلى العروق، ولبن إلى الضرع، وبول إلى المثانة، وروث إلى المخرج، وكل منها لا يشوب الآخر، ولا يمازجه بعد انفصاله عنه، ولا يتغير به. وقوله: { لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ } أي: لا يغص به أحد، ولما ذكر اللبن، وأنه تعالى جعله شراباً للناس سائغاً، ثنى بذكر ما يتخذه الناس من الأشربة من ثمرات النخيل والأعناب، وما كانوا يصنعون من النبيذ المسكر قبل تحريمه، ولهذا امتن به عليهم فقال: { وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَـٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } دل على إباحته شرعاً قبل تحريمه، ودل على التسوية بين المسكر المتخذ من النخل، والمتخذ من العنب، كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء، وكذا حكم سائر الأشربة المتخذة من الحنطة والشعير والذرة والعسل، كما جاءت السنة بتفصيل ذلك، وليس هذا موضع بسط ذلك.

كما قال ابن عباس في قوله: { سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } السكر ما حرم من ثمرتيهما، والرزق الحسن ما أحل من ثمرتيهما، وفي رواية: السكر حرامه، والرزق الحسن حلاله، يعني: ما يبس منهما من تمر وزبيب، وما عمل منهما من طلاء وهو الدبس وخل ونبيذ، حلال يشرب قبل أن يشتد كما وردت السنة بذلك { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ناسب ذكر العقل ههنا، فإنه أشرف ما في الإنسان، ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة صيانة لعقولها، قال الله تعالى: { { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّـٰتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى خَلَق ٱلأَزْوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 34-36].