خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً
١١٠
وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
١١١
-الإسراء

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عز وجل، المانعين من تسميته بالرحمن: { ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: لا فرق بين دعائكم له باسم الله، أو باسم الرحمن، فإنه ذو الأسماء الحسنى، كما قال تعالى: { { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } - إلى أن قال - { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الحشر: 22 - 24] الآية، وقد روى مكحول أن رجلاً من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده: "يا رحمن يا رحيم" فقال: إنه يزعم أنه يدعو واحداً، وهو يدعو اثنين، فأنزل الله هذه الآية، وكذا روي عن ابن عباس، رواهما ابن جرير.

وقوله: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } الآية قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ بمكة: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } قال: كان إذا صلى بأصحابه، رفع صوته بالقرآن، فلما سمع ذلك المشركون، سبوا القرآن، وسبوا من أنزله ومن جاء به، قال: فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } أي: بقراءتك، فيسمع المشركون، فيسبون القرآن { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك، { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلاً } أخرجاه في "الصحيحين" من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به، وكذا رواه الضحاك عن ابن عباس، وزاد: فلما هاجر إلى المدينة، سقط ذلك، يفعل أي ذلك شاء.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي، تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو، وهو يصلي، استرق السمع دونهم فرقاً منهم، فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع، ذهب؛ خشية أذاهم، فلم يسمع، فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً، فأنزل الله: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ } فيتفرقوا عنك { وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم، فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به، { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلاً } وهكذا قال عكرمة والحسن البصري وقتادة: نزلت هذه الآية في القراءة في الصلاة، وقال شعبة عن الأشعث بن أبي سليم عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود: لم يخافت بها من أسمع أذنيه.

قال ابن جرير: حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ، خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربي عز وجل، وقد علم حاجتي، فقيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قيل: أحسنت، فلما نزلت: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلاً } قيل لأبي بكر: ارفع شيئاً، وقيل لعمر: اخفض شيئاً، وقال أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس: نزلت في الدعاء، وهكذا روى الثوري ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أنها نزلت في الدعاء، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو عياض ومكحول وعروة بن الزبير. وقال الثوري عن ابن عياش العامري عن عبد الله بن شداد قال: كان أعرابي من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارزقنا إبلاً وولداً" قال: فنزلت هذه الآية: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا }.

(قول آخر) قال ابن جرير: حدثنا أبو السائب، حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الآية في التشهد: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا }، وبه قال حفص عن أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين مثله.

(قول آخر) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } قال: لا تصل مراءاة للناس، ولا تدعها مخافة الناس. وقال الثوري عن منصور عن الحسن البصري: { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا } قال: لا تحسن علانيتها، وتسىء سريرتها، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن به، وهشيم عن عوف عنه به، وسعيد عن قتادة عنه كذلك.

(قول آخر) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلاً } قال: أهل الكتاب يخافتون، ثم يجهر أحدهم بالحرف، فيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يخافت كما يخافت القوم، ثم كان السبيل الذي بين ذلك الذي سن له جبريل من الصلاة.

وقوله: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى، نزه نفسه عن النقائص فقال: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ } أي: ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولي أو وزير أو مشير، بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له، ومدبرها ومقدرها وحده لا شريك له. قال مجاهد في قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ } لم يحالف أحداً ولم يبتغ نصر أحد { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } أي: عظمه وأجلّه عما يقول الظالمون المعتدون علواً كبيراً.

قال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، أخبرني أبو صخر عن القرظي: أنه كان يقول في هذه الآية: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الآية، قال: إن اليهود والنصارى يقولون: اتخذ الله ولداً، وقالت العرب: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل، فأنزل الله هذه الآية: { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } وقال أيضاً: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الآية: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الآية، الصغير من أهله والكبير. قلت: وقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الآية آية العز، وفي بعض الآثار أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة، والله أعلم.

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا بشر بن سيحان البصري، حدثنا حرب بن ميمون، حدثنا موسى بن عبيدة الزبيدي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال: خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويده في يدي، أو يدي في يده، فأتى على رجل رث الهيئة، فقال: "أي فلان ما بلغ بك ما أرى؟" قال: السقم والضر يا رسول الله، قال: "ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر؟" قال: بلى، قال: ما يسرني بها أن شهدت معك بدراً أو أحداً، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع؟" قال: فقال أبو هريرة: يا رسول الله إياي فعلمني، قال: "فقل يا أبا هريرة: توكلت على الحي الذي لا يموت، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيراً" قال: فأتى علي رسول الله وقد حسنت حالي، قال: فقال لي: "مهيم؟" قال: قلت: يا رسول الله لم أزل أقول الكلمات التي علمتني، إسناده ضعيف، وفي متنه نكارة، والله أعلم. آخر تفسير سورة سبحان. و لله الحمد والمنة.