خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً
٤٥
وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً
٤٦
-الإسراء

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأت يا محمد على هؤلاء المشركين القرآن، جعلنا بينك وبينهم حجاباً مستوراً. قال قتادة وابن زيد: هو الأكنة على قلوبهم، كما قال تعالى: { { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [فصلت: 5] أي: مانع حائل أن يصل إلينا مما تقول شيء. وقوله: { حِجَابًا مَّسْتُورًا } بمعنى ساتر؛ كميمون ومشؤوم بمعنى: يامن وشائم؛ لأنه من يَمنهم وشأمَهم، وقيل: مستوراً عن الأبصار فلا تراه، وهو مع ذلك حجاب بينهم وبين الهدى، ومال إلى ترجيحه ابن جريررحمه الله .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم، حدثنا سفيان عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها قالت: لما نزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد: 1] جاءت العوراء أم جميل، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول: مذمماً أتينا - أو أبينا -، قال أبو موسى: الشك مني، ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: "إنها لن تراني" وقرأ قرآناً اعتصم به منها { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا } قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، قال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك، قال: فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أني بنت سيدها.

وقوله: { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } وهي جمع كنان الذي يغشى القلب { أَن يَفْقَهُوهُ } أي: لئلا يفهموا القرآن { وَفِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } وهو الثقل الذي منعهم من سماع القرآن سماعاً ينفعهم ويهتدون به. وقوله تعالى: { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ } أي: إذا وحدت الله في تلاوتك، وقلت: لا إله إلا الله، { وَلَّوْا } أي: أدبروا راجعين { عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً } ونفور جمع نافر، وكقعود جمع قاعد، ويجوز أن يكون مصدراً من غير الفعل، والله أعلم. كما قال تعالى: { { وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } الآية [الزمر: 45]، قال قتادة في قوله: { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ } الآية؛ إن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون، وكبرت عليهم، وضاقها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها ويعليها وينصرها ويظهرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجريزة من المسلمين التي يقطعها الراكب في ليال قلائل، ويسير الدهر في فئام من الناس لا يعرفونها، ولا يقرون بها.

(قول آخر في الآية)

روى ابن جرير: حدثني الحسين بن محمد الذارع، حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء الكلبي، وحدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً } هم الشياطين، وهذا غريب جداً في تفسيرها، وإلا، فالشياطين إذا قرىء القرآن أو نودي بالأذان أو ذكر الله، انصرفوا.