خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً
٦٣
وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
٦٤
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً
٦٥
-الإسراء

تفسير القرآن العظيم

لما سأل إبليس النظرة، قال الله له: { ٱذْهَبْ } فقد أنظرتك؛ كما قال في الآية الأخرى قال: { { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [الحجر: 37 ـ 38] ثم أوعده ومن اتبعه من ذرية آدم جهنم { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ } أي على أعمالكم { جَزَاءً مَّوفُورًا } قال مجاهد: وافراً، وقال قتادة: موفوراً عليكم، لا ينقص لكم منه. وقوله تعالى: { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } قيل: هو الغناء. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي: استخفهم بذلك. وقال ابن عباس في قوله: { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } قال: كل داع دعا إلى معصية الله عز وجل. وقال قتادة: واختاره ابن جرير. وقوله تعالى: { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } يقول: واحمل عليهم بجنودك؛ خيالتهم ورجلتهم؛ فإن الرجل جمع راجل، كما أن الركب جمع راكب، وصحب جمع صاحب، ومعناه: تسلط عليهم بكل ما تقدر عليه، وهذا أمر قدري كقوله تعالى: { { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } [مريم: 83] أي: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً، وتسوقهم إليها سوقاً. وقال ابن عباس ومجاهد في قوله: { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } قال: كل راكب وماش في معصية الله. وقال قتادة: إن له خيلاً ورجالاً من الجن والإنس، وهم الذين يطيعونه، تقول العرب: أجلب فلان على فلان، إذا صاح عليه، ومنه: نهى في المسابقة عن الجلب والجنب. ومنه اشتقاق الجلبة، وهي ارتفاع الأصوات. وقوله تعالى: { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَـٰدِ } قال ابن عباس ومجاهد: هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله، وقال عطاء: هو الربا، وقال الحسن: هو جمعها من خبيث، وإنفاقها في حرام، وكذا قال قتادة، وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أما مشاركته إياهم في أموالهم، فهو ما حرموه من أنعامهم، يعني: من البحائر والسوائب ونحوها. وكذا قال الضحاك وقتادة. وقال ابن جرير: والأولى أن يقال: إن الآية تعم ذلك كله. وقوله: { وَٱلأَوْلَـٰدِ } قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك: يعني: أولاد الزنا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علم، وقال قتادة والحسن البصري: قد والله شاركهم في الأموال والأولاد؛ مجسوا وهودوا ونصروا وصبغوا على غير صبغة الإسلام، وجزؤوا أموالهم جزءاً للشيطان، وكذا قال قتادة سواء، وقال أبو صالح عن ابن عباس: هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد الشمس وعبد فلان. قال ابن جرير: وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه؛ بتسميته بما يكرهه الله، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو بقتله، أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه؛ لأن الله لم يخصص بقوله: { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَـٰدِ } معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى، فكل ما عصي الله فيه، أو به وأطيع الشيطان فيه، أو به، فهو مشاركة، وهذا الذي قاله متجه، وكل من السلف رحمهم الله فسر بعض المشاركة، فقد ثبت في "صحيح مسلم" عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم" وفي "الصحيحين": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك، لم يضره الشيطان أبداً" وقوله تعالى: { وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُورًا } كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق: { { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } الآية [إبراهيم: 22]. وقوله تعالى: { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } إخبار بتأييده تعالى عباده المؤمنين، وحفظه إياهم، وحراسته لهم من الشيطان الرجيم، ولهذا قال تعالى: { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } أي: حافظاً ومؤيداً ونصيراً، وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر" ينضي، أي: يأخذ بناصيته ويقهره.