خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٨
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٣٩
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
٤٠
-مريم

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن الكفار يوم القيامة: إنهم يكونون أسمع شيء وأبصره، كما قال تعالى: { { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } [السجدة: 12] الآية، أي: يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي عنهم شيئاً، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب، لكان نافعاً لهم، ومنقذاً من عذاب الله، ولهذا قال: { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } أي: ما أسمعهم وأبصرهم { يَوْمَ يَأْتُونَنَا } يعني: يوم القيامة { لَـٰكِنِ ٱلظَّـٰلِمُونَ ٱلْيَوْمَ } أي: في الدنيا { فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي: لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك، ثم قال تعالى: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } أي: أنذر الخلائق يوم الحسرة { إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي: فصل بين أهل الجنة وأهل النار، وصار كل إلى ما صار إليه مخلداً فيه، { وَهُمْ } أي: اليوم { فِي غَفْلَةٍ } عما أنذروا به يوم الحسرة والندامة { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي: لا يصدقون به.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت - قال - فيقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت - قال - فيؤمر به فيذبح - قال: - ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } وأشار بيده ثم قال: "أهل الدنيا في غفلة الدنيا" هكذا رواه الإمام أحمد، وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الأعمش به، ولفظهما قريب من ذلك. وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة: حدثني أسباط بن محمد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً مثله، وفي سنن ابن ماجه وغيره من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه، وهو في "الصحيحين" عن ابن عمر.

ورواه ابن جريج قال: قال ابن عباس، فذكر من قبله نحوه، ورواه أيضاً عن أبيه: أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه: يؤتى بالموت كأنه دابة فيذبح والناس ينظرون، وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل: حدثنا أبو الزعراء عن عبد الله، هو ابن مسعود، في قصة ذكرها، قال: فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة، وبيت في النار، وهو يوم الحسرة، فيرى أهل النار البيت الذي في الجنة، ويقال لهم: لو عملتم، فتأخذهم الحسرة، قال: ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال لهم: لولا أن الله من عليكم. وقال السدي عن زياد عن زر بن حبيش عن ابن مسعود في قوله: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، أتي بالموت في صورة كبش أملح حتى يوقف بين الجنة والنار، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه، ثم ينادي مناد: يا أهل النار هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم إلا نظر إليه، ثم يذبح بين الجنة والنار، ثم ينادى: يا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدين، ويا أهل النار هو الخلود أبد الآبدين، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتاً من فرح ماتوا، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتاً من شهقة ماتوا، فذلك قوله تعالى: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ } يقول: إذا ذبح الموت، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذره عباده. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } قال: يوم القيامة، وقرأ: { { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ } [الزمر: 56]. وقوله: { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف، وأن الخلق كلهم يهلكون، ويبقى هو تعالى وتقدس، ولا أحد يدعي ملكاً ولا تصرفاً، بل هو الوارث لجميع خلقه، الباقي بعدهم، الحاكم فيهم، فلا تظلم نفس شيئاً ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة. قال ابن أبي حاتم: ذكر هدبة بن خالد القيسي، حدثنا حزم بن أبي حزم القطعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن صاحب الكوفة: أما بعد، فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت، فجعل مصيرهم إليه، وقال فيما أنزل في كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه، وأشهد ملائكته على حفظه: إنه يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون.