خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ
٢٠
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٢١
-الروم

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى: { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ } الدالة على عظمته وكمال قدرته، أنه خلق أباكم آدم من تراب، { إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } فأصلكم من تراب، ثم من ماءٍ مهين، ثم تَصَوَّر فكان علقة، ثم مضغة، ثم صار عظاماً شكله على شكل الإنسان، ثم كسا الله تلك العظام لحماً، ثم نفخ فيه الروح، فإذا هو سميع بصير، ثم خرج من بطن أمه صغيراً ضعيف القوى والحركة، ثم كلما طال عمره، تكاملت قواه وحركاته، حتى آل به الحال إلى أن صار يبني المدائن والحصون، ويسافر في أقطار الأقاليم، ويركب متن البحور، ويدور أقطار الأرض، ويتكسب ويجمع الأموال، وله فكرة وغور ودهاء ومكر، ورأي وعلم واتساع في أمور الدنيا والآخرة، كل بحسبه، فسبحان من أقدرهم وسيرهم، وسخرهم وصرفهم في فنون المعايش والمكاسب، وفاوت بينهم في العلوم والفكر، والحسن والقبح، والغنى والفقر، والسعادة والشقاوة، ولهذا قال تعالى: { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد وغندر قالا: حدثنا عوف عن قسامة بن زهير عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود، وبين ذلك، والخبيث والطيب، والسهل والحزن، وبين ذلك" ورواه أبو داود والترمذي من طرق عن عوف الأعرابي به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقوله تعالى: { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً } أي: خلق لكم من جنسكم إناثاً يكن لكم أزواجاً؛ { لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } كما قال تعالى: { { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [الأعراف: 189] يعني بذلك: حواء، خلقها الله من آدم من ضلعه الأقصر الأيسر. ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكوراً، وجعل إناثهم من جنس آخر، إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة، وهي المحبة، ورحمة، وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك، { إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.