خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً
٧
لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً
٨
-الأحزاب

تفسير القرآن العظيم

يقول الله تعالى مخبراً عن أولي العزم الخمسة وبقية الأنبياء: أنه أخذ عليهم العهد والميثاق في إِقامة دين الله تعالى، وإِبلاغ رسالته، والتعاون والتناصر والاتفاق؛ كما قال تعالى: { { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِى قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } [آل عمران: 81] فهذا العهد والميثاق أخذ عليهم بعد إِرسالهم، وكذلك هذا، ونص من بينهم على هؤلاء الخمسة، وهم أولو العزم، وهو من باب عطف الخاص على العام، وقد صرح بذكرهم أيضاً في هذه الآية، وفي قوله تعالى: { { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [الشورى: 13] فذكر الطرفين، والوسط الفاتح، والخاتم، ومن بينهما على الترتيب، فهذه هي الوصية التي أخذ عليهم الميثاق بها؛ كما قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } فبدأ في هذه الآية بالخاتم؛ لشرفه صلوات الله عليه، ثم رتبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا سعيد بن بشير، حدثني قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } الآية. قال النبي صلى الله عليه وسلم "كنت أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث، فبدأ بي قبلهم" سعيد بن بشير فيه ضعف، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به مرسلاً، وهو أشبه، ورواه بعضهم عن قتاده موقوفاً، والله علم.

وقال أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو أحمد، حدثنا حمزة الزيات، حدثنا عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خيار ولد آدم خمسة: نوح وإِبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم موقوف وحمزة فيه ضعف، وقد قيل: إِن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذر من صلب آدم عليه الصلاة والسلام، كما قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: ورفع أباهم آدم، فنظر إِليهم، يعني: ذريته، وأن فيهم الغني والفقير، وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: رب لو سويت بين عبادك، فقال: إِني أحببت أن أشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، وهو الذي يقول الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } وهذا قول مجاهد أيضاً، وقال ابن عباس: الميثاق: الغليظ العهد.

وقوله تعالى: { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّـٰدِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ } قال مجاهد: المبلغين المؤدين عن الرسل. وقوله تعالى: { عَن صِدْقِهِمْ } أي: من أممهم { عَذَاباً أَلُيماً } أي: موجعاً، فنحن نشهد أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم، ونصحوا الأمم، وأفصحوا لهم عن الحق الجلي الذي لا لبس فيه ولا شك ولا امتراء، وإِن كذبهم من كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين والقاسطين، فما جاءت به الرسل هو الحق، ومن خالفهم فهو على الضلال؛ كما يقول أهل الجنة: { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ }.