هذا إخبار من الله عز وجل عن استبعاد الكفرة الملحدين قيام الساعة، واستهزائهم بالرسول صلى الله عليه وسلم في إخباره بذلك { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي: تفرقت أجسادكم في الأرض، وذهبت فيها كل مذهب، وتمزقت كل ممزق { إِنَّكُمْ } أي: بعد هذا الحال { لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي: تعودون أحياء ترزقون بعد ذلك، وهو في هذا الإخبار لا يخلو أمره من قسمين: إما أن يكون قد تعمد الافتراء على الله تعالى أنه قد أوحي إليه ذلك، أو أنه لم يتعمد، لكن لبس عليه؛ كما يلبس على المعتوه والمجنون، ولهذا قالوا: { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ } قال الله عز وجل راداً عليهم: { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ فِى ٱلْعَذَابِ وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلْبَعِيدِ } أي: ليس الأمر كما زعموا، ولا كما ذهبوا إليه، بل محمد صلى الله عليه وسلم هو الصادق البار الراشد، الذي جاء بالحق، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء { فِى ٱلْعَذَابِ } أي: الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله تعالى، { وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلْبَعِيدِ } من الحق في الدنيا، ثم قال تعالى منبهاً لهم على قدرته في خلق السموات والأرض، فقال تعالى: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي: حيثما توجهوا وذهبوا، فالسماء مظللة عليهم، والأرض تحتهم، كما قال عز وجل:
{ { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } [الذاريات: 47 ــــ 48]. قال عبد بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } قال: إنك إن نظرت عن يمينك، أو عن شمالك، أو من بين يديك، أو من خلفك، رأيت السماء والأرض. وقوله تعالى: { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي: لو شئنا، لفعلنا بهم ذلك؛ بظلمهم وقدرتنا عليهم، ولكن نؤخر ذلك؛ لحلمنا وعفونا، ثم قال: { إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } قال معمر عن قتادة: { مُّنِيبٍ }: تائب. وقال سفيان عن قتادة: المنيب: المقبل إلى الله تعالى، أي: إن في النظر إلى خلق السماوات والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب، رجاع إلى الله، على قدرة الله تعالى على بعث الأجساد ووقوع المعاد؛ لأن من قدر على خلق هذه السموات في ارتفاعها واتساعها، وهذه الأرضين في انخفاضها، وأطوالها وأعراضها، إنه لقادر على إعادة الأجسام، ونشر الرميم من العظام؛ كما قال تعالى:
{ { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ } [يس: 81] وقال تعالى: { { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [غافر: 57].