خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابِ ٱلأَلِيمِ
٣٨
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٣٩
إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ
٤٠
أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ
٤١
فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ
٤٢
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٤٣
عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ
٤٤
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
٤٥
بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ
٤٦
لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ
٤٧
وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ
٤٨
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ
٤٩
-الصافات

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخاطباً للناس: { إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين؛ كما قال تعالى: { { وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [العصر: 1 ــــ 3] وقال عز وجل: { { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِىۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [التين: 4 ــــ 6] وقال تعالى: { { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } [مريم: 71 ــــ 72] وقال تعالى: { { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } [المدثر: 38 ــــ 39] ولهذا قال جل وعلا ههنا: { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي: ليسوا يذوقون العذاب الأليم، ولا يناقشون في الحساب، بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما شاء الله تعالى من التضعيف. وقوله جل وعلا: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } قال قتادة والسدي: يعني الجنة، ثم فسره بقوله تعالى: { فَوَٰكِهُ } أي: متنوعة { وَهُم مُّكْرَمُونَ } أي: يخدمون ويرفهون وينعمون { فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } قال مجاهد: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن عبدك القزويني، حدثنا حسان بن حسان، حدثنا إبراهيم بن بشر، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية: { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ }: ينظر بعضهم إلى بعض، حديث غريب. وقوله تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } كما قال عز وجل في الآية الأخرى: { { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَٰنٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 17 ــــ 19] نزه الله سبحانه وتعالى خمر الجنة عن الآفات التي في خمر الدنيا؛ من صداع الرأس، ووجع البطن، وهو الغول، وذهابها بالعقل جملة، فقال تعالى ههنا: { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } أي: بخمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها ولا فراغها. قال مالك عن زيد بن أسلم: خمر جارية بيضاء، أي: لونها مشرق حسن بهي، لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء؛ من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة، إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم. وقوله عز وجل: { لَّذَّةٍ لِّلشَّـٰرِبِينَ } أي: طعمها طيب كلونها، وطيب الطعم دليل على طيب الريح، بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك. وقوله تعالى: { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } يعني: لا تؤثر فيها غولاً، وهو وجع البطن، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وابن زيد؛ كما تفعله خمر الدنيا من القولنج ونحوه لكثرة مائيتها، وقيل: المراد بالغول ههنا: صداع الرأس، وروي هكذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة: هو صداع الرأس، ووجع البطن. وعنه وعن السدي: لا تغتال عقولهم كما قال الشاعر:

فما زالتِ الكأسُ تغتالُناوتَذْهَبُ بالأولِ الأولِ

وقال سعيد بن جبير: لا مكروه فيها، ولا أذى، والصحيح قول مجاهد أنه وجع البطن، وقوله تعالى: { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } قال مجاهد: لا تذهب عقولهم. وكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب والحسن وعطاء بن أبي مسلم الخراساني والسدي وغيرهم. وقال الضحاك عن ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السكر والصداع والقيء والبول، فذكر الله خمر الجنة، فنزهها عن هذه الخصال؛ كما ذكر في سورة الصافات. وقوله تعالى: { وَعِندَهُمْ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ } أي: عفيفات، لا ينظرن إلى غير أزواجهن. كذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وزيد بن أسلم وقتادة والسدي وغيرهم. وقوله تبارك وتعالى: { عِينٌ } أي: حسان الأعين. وقيل: ضخام الأعين. وهو يرجع إلى الأول، وهي النجلاء العيناء، فوصف عيونهن بالحسن والعفة؛ كقول زليخا في يوسف عليه الصلاة والسلام حين جملته وأخرجته على تلك النسوة، فأعظمنه وأكبرنه، وظنن أنه ملك من الملائكة؛ لحسنه وبهاء منظره، قالت: { { فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِى لُمْتُنَّنِى فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ } [يوسف: 32] أي: هو مع هذا الجمال عفيف تقي نقي، وهكذا الحور العين { خَيْرَٰتٌ حِسَانٌ } [الرحمن: 70]، ولهذا قال عز وجل: { وَعِندَهُمْ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ }. وقوله جل جلاله: { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } وصفهن بترافة الأبدان بأحسن الألوان. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يقول: اللؤلؤ المكنون، وينشد ههنا بيت أبي دهبل الشاعر، وهو قوله في قصيدة له:

وَهْيَ زَهْراءُ مِثْل لُؤْلُؤَةِ الغَوَّاصِ مِيْزَتْ مِنْ جَوْهَرِ مَكْنُونِ

وقال الحسن: { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يعني: محصون لم تمسه الأيدي، وقال السدي: البيض في عشه مكنون. وقال سعيد بن جبير: { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يعني: بطن البيض. وقال عطاء الخراساني: هو السحاء الذي يكون بين قشرته العليا ولباب البيضة، وقال السدي: { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } يقول: بياض البيض حين نزع قشرته. واختاره ابن جرير؛ لقوله: مكنون، قال: والقشرة العليا يمسها جناح الطير والعش، وتنالها الأيدي، بخلاف داخلها والله أعلم. وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، حدثنا محمد بن الفرج الصدفي الدمياطي عن عمرو بن هاشم عن ابن أبي كريمة عن هشام عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: { { وَحُورٌ عِينٌ } [الواقعة: 22] قال: "العين: الضخام العيون، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر" قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } قال: "رقتهن كرقة الجلدة التي رأسها في داخل البيضة التي تلي القشر، وهي الغرقىء" . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو غسان النهدي، حدثنا عبد السلام بن حرب عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا حزنوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على الله عز وجل ولا فخر، يطوف عليَّ ألف خادم كأنهن البيض المكنون ــــ أو اللؤلؤ المكنون ــــ" ، والله تعالى أعلم بالصواب.