خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
٥٥
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
٥٦
هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ
٥٧
وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ
٥٨
هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ
٥٩
قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ
٦٠
قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ
٦١
وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ
٦٢
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار
٦٣
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ
٦٤

تفسير القرآن العظيم

لما ذكر تبارك وتعالى مآل السعداء، ثنى بذكر حال الأشقياء ومرجعهم ومآبهم في دار معادهم وحسابهم، فقال عز وجل: { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّـٰغِينَ } وهم الخارجون عن طاعة الله عز وجل، المخالفون لرسل الله صلى الله عليه وسلم { لَشَرَّ مَـئَابٍ } أي: لسوء منقلب ومرجع. ثم فسره بقوله جل وعلا: { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا } أي: يدخلونها، فتغمرهم من جميع جوانبهم، { فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } أما الحميم، فهو الحار الذي قد انتهى حره، وأما الغساق، فهو ضده، وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم.

ولهذا قال عز وجل: { وَءَاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَٰجٌ } أي: وأشياء من هذا القبيل: الشيء وضده يعاقبون بها. قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أن دلواً من غساق يهراق في الدنيا، لأنتن أهل الدنيا" ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج به، ثم قال: لا نعرفه إلا من حديث رشدين، كذا قال، وقد تقدم في غير حديثه، ورواه ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث به.

وقال كعب الأحبار: غساق: عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية وعقرب وغير ذلك، فيستنقع، فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة، فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام، ويتعلق جلده ولحمه في كعبيه وعقبيه، ويجر لحمه كله كما يجر الرجل ثوبه، رواه ابن أبي حاتم. وقال الحسن البصري في قوله تعالى: { وَءَاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَٰجٌ } ألوان من العذاب، وقال غيره: كالزمهرير والسموم، وشرب الحميم وأكل الزقوم، والصعود والهوي، إلى غير ذلك من الأشياء المختلفة المتضادة، والجميع مما يعذبون به، ويهانون بسببه.

وقوله عز وجل: { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } هذا إخبار من الله تعالى عن قيل أهل النار بعضهم لبعض كما قال تعالى: { { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف: 38] يعني: بدل السلام يتلاعنون ويتكاذبون، ويكفر بعضهم ببعض، فتقول الطائفة التي تدخل قبل الأخرى إذا أقبلت التي بعدها مع الخزنة من الزبانية: { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ } أي: داخل { مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } أي: لأنهم من أهل جهنم { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } أي: فيقول لهم الداخلون { بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } أي: أنتم دعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير { فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } أي: فبئس المنزل والمستقر والمصير { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِى ٱلنَّارِ } كما قال عز وجل: { { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولَـٰهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 38] أي: لكل منكم عذاب بحسبه، { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَـٰهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَـٰرُ } هذا إخبار عن الكفار في النار أنهم يفقدون رجالاً كانوا يعتقدون أنهم على الضلالة، وهم المؤمنون، في زعمهم قالوا: مالنا لا نراهم معنا في النار؟ قال مجاهد: هذا قول أبي جهل، يقول: مالي لا أرى بلالاً وعماراً وصهيباً وفلاناً وفلاناً؟ وهذا ضرب مثل، وإلا فكل الكفار هذا حالهم يعتقدون أن المؤمنين يدخلون النار، فلما دخل الكفار النار، افتقدوهم فلم يجدوهم، فقالوا: { مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَـٰهُمْ سِخْرِيّاً } أي: في الدار الدنيا، { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَـٰرُ } يسألون أنفسهم بالمحال، يقولون: أو لعلهم معنا في جهنم، ولكن لم يقع بصرنا عليهم، فعند ذلك يعرفون أنهم في الدرجات العاليات، وهو قوله عز وجل: { { وَنَادَىۤ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ } - إلى قوله - { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [الأعراف: 43 ــــ 49] وقوله تعالى: { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } أي: إن هذا الذي أخبرناك به يا محمد من تخاصم أهل النار بعضهم في بعض، ولعن بعضهم لبعض، لحق لا مرية فيه ولا شك.