خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً
١٤٤
إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً
١٤٥
إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً
١٤٦
مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً
١٤٧
-النساء

تفسير القرآن العظيم

ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني: مصاحبتهم ومصادقتهم، ومناصحتهم، وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم، كما قال تعالى: { { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28] أي: يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه، ولهذا قال ههنا: { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي: حجة عليكم في عقوبته إياكم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس: قوله: { سُلْطَـٰناً مُّبِيناً } قال: كل سلطان في القرآن حجة، وهذا إسناد صحيح، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والسدي والنضر بن عربي.

ثم أخبرنا تعالى: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } أي: يوم القيامة؛ جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن عباس: { فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } أي: في أسفل النار، وقال غيره: النار دركات، كما أن الجنة درجات، وقال سفيان الثوري عن عاصم، عن ذكوان أبي صالح، عن أبي هريرة: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال: في توابيت ترتج عليهم، كذا رواه ابن جرير عن ابن وكيع، عن يحيى بن يمان، عن سفيان الثوري به. ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم. قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل، عن خيثمة، عن عبد الله، يعني: ابن مسعود: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال: في توابيت من نار تطبق عليهم، أي: مغلقة مقفلة، ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن وكيع، عن سفيان، عن سلمة، عن خيثمة، عن ابن مسعود: { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ } قال: في توابيت من حديد مبهمة عليهم، ومعنى قوله: مبهمة، أي: مغلقة مقفلة، لا يهتدى لمكان فتحها.

وروى ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد ابن سلمة، أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن: أن ابن مسعود سئل عن المنافقين، فقال: يجعلون في توابيت من نار تطبق عليهم في أسفل درك من النار { وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } أي: ينقذهم مما هم فيه، ويخرجهم من أليم العذاب، ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا، تاب عليه، وقبل ندمه، إذا أخلص في توبته، وأصلح عمله، واعتصم بربه في جميع أمره، فقال تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَٱعْتَصَمُواْ بِٱللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ } أي: بدلوا الرياء بالإخلاص، فينفعهم العمل الصالح، وإن قل. قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبأنا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر، عن خالد بن أبي عمران، عن عمران عن عمرو بن مرة، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أخلص دينك، يكفك القليل من العمل" . { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: في زمرتهم يوم القيامة { وَسَوْفَ يُؤْتِ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً }. ثم قال تعالى مخبراًعن غناه عما سواه، وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم، فقال تعالى: { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ } أي: أصلحتم العمل، وآمنتم بالله ورسوله { وَكَانَ ٱللَّهُ شَـٰكِراً عَلِيماً } أي: من شكر، شكر له، ومن آمن قلبه به، علمه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.