خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٧
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٨
وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
-غافر

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حملة العرش الأربعة ومن حوله من الملائكة الكروبيين بأنهم يسبحون بحمد ربهم، أي: يقرنون بين التسبيح الدال على نفي النقائص، والتحميد المقتضي لإثبات صفات المدح، { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } أي: خاشعون له، أذلاء بين يديه، وأنهم { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي: من أهل الأرض؛ ممن آمنوا بالغيب، فقيض الله تعالى ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب؛ كما ثبت في صحيح مسلم: "إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب، قال الملك: آمين، ولك بمثله" . وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن محمد، وهو ابن أبي شبية، حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره" فقال:

زُحَلٌ وثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِوالنَّسْرُ للأُخْرى ولَيْثٌ مُرْصَدُ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق" فقال:

والشمسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍحَمْراءَ يُصْبِحُ لَوْنُها يَتَوَرَّدُ
تَأْبى فَما تَطْلُعْ لَنا في رسلِهاإلا مُعَذَّبَةً وإِلاَّ تُجْلَدُ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق" وهذا إسناد جيد، وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة، كانوا ثمانية؛ كما قال تعالى: { { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَـٰنِيَةٌ } [الحاقة: 17] وهنا سؤال، وهو أن يقال: ما الجمع بين المفهوم من هذه الآية، ودلالة هذا الحديث؟ وبين الحديث الذي رواه أبو داود: حدثنا محمد بن الصباح البزار، حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: كنت بالبطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة، فنظر إليها فقال: "ما تسمون هذه؟" قالوا: السحاب، قال: "والمزن" قالوا: والمزن قال: "والعنان" قالوا: والعنان، قال أبو داود: ولم أتقن العنان جيداً، قال: "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟" قالوا: لا ندري، قال: "بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها كذلك، حتى عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر، ما بين أسفله وأعلاه مثل بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين السماء إلى سماء، ثم على ظهورهن العرش، بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك" . ثم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سماك بن حرب به، وقال الترمذي: حسن غريب، وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية؛ كما قال شهر بن حوشب رضي الله عنه: حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك. ولهذا يقولون إذا استغفروا للذين آمنوا: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً } أي: رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم، وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } أي: فاصفح عن المسيئين إذا تابوا وأنابوا، وأقلعوا عما كانوا فيه، واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخيرات وترك المنكرات { وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أي: وزحزحهم عن عذاب الجحيم، وهو العذاب الموجع الأليم { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ } أي: اجمع بينهم وبينهم؛ لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة؛ كما قال تبارك وتعالى: { { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَـٰهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ } [الطور: 21] أي: ساوينا بين الكل في المنزلة، لتقر أعينهم، وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني، بل رفعنا ناقص العمل، فساويناه بكثير العمل، تفضلاً منا ومنة. وقال سعيد بن جبير: إن المؤمن إذا دخل الجنة، سأل عن أبيه وابنه وأخيه أين هم؟ فيقال: إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل، فيقول: إني إنما عملت لي ولهم، فيلحقون به في الدرجة، ثم تلا سعيد بن جبير هذه الآية: { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة، ثم تلا هذه الآية: { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ } الآية، وأغش عباده للمؤمنين الشياطين. وقوله تبارك وتعالى: { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } أي: الذي لا يمانع ولا يغالب، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، الحكيم في أقوالك وأفعالك من شرعك وقدرك { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَـٰتِ } أي: فعلها، أو وبالها؛ ممن وقعت منه { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم القيامة { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي: لطفت به، ونجيته من العقوبة { وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }.