خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ
٢٧
وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٨
هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٢٩
-الجاثية

تفسير القرآن العظيم

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض، والحاكم فيهما في الدنيا والآخرة، ولهذا قال عز وجل: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } أي: يوم القيامة { يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } وهم الكافرون بالله، الجاحدون بما أنزله على رسله من الآيات البينات والدلائل الواضحات.

وقال ابن أبي حاتم: قدم سفيان الثوري المدينة، فسمع المعافري يتكلم ببعض ما يضحك به الناس، فقال له: يا شيخ أما علمت أن لله تعالى يوماً يخسر فيه المبطلون؟ قال: فما زالت تعرف في المعافري حتى لحق بالله تعالى، ذكره ابن أبي حاتم. ثم قال تعالى: { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } أي: على ركبها من الشدة والعظمة، ويقال: إن هذا إذا جيء بجهنم؛ فإنها تزفر زفرة، لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه، حتى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ويقول: نفسي نفسي نفسي! لا أسألك اليوم إلا نفسي. وحتى إن عيسى عليه الصلاة والسلام ليقول: لا أسألك اليوم إلا نفسي، لا أسألك مريم التي ولدتني! قال مجاهد وكعب الأحبار والحسن البصري: { كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } أي: على الركب. وقال عكرمة: جاثية متميزة على ناحيتها، وليس على الركب، والأول أولى. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد ابن عبد الله بن يزيد المقرىء، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عبد الله بن باباه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كأني أراكم جاثين بالكوم دون جهنم" وقال إسماعيل بن أبي رافع المدني عن محمد بن كعب عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعاً في حديث الصور: "فيتميز الناس، وتجثو الأمم، وهي التي يقول الله تعالى: { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا }" وهذا فيه جمع بين القولين، ولا منافاة، والله أعلم.

وقوله عز وجل: { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } يعني: كتاب أعمالها؛ كقوله جل جلاله: { وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ وَجِـىءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ } ولهذا قال سبحانه وتعالى: { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: تجازون بأعمالكم؛ خيرها وشرها؛ كقوله عز وجل: { { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } [القيامة: 13 ــــ 15] ولهذا قال جلت عظمته: { هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } أي: يستحضر جميع أعمالكم، من غير زيادة ولا نقص؛ كقوله جل جلاله: { { وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [الكهف: 49] وقوله عز وجل: { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم. قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: تكتب الملائكة أعمال العباد، ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابلون الملائكة في ديوان الأعمال على ما بأيدي الكتبة، مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر، مما كتبه الله في القدم على العباد قبل أن يخلقهم، فلا يزيد حرفاً، ولا ينقص حرفاً، ثم قرأ { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.