ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الكبر بطر الحق وغمص الناس" ويروى: "وغمط الناس" والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام؛ فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند الله تعالى، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له، ولهذا قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } فنص على نهي الرجال، وعطف بنهي النساء. وقوله تبارك وتعالى: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون؛ كما قال تعالى: { { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [الهمزة: 1] والهمز بالفعل واللمز بالقول؛ كما قال عز وجل: { هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ } أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغياً عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال، ولهذا قال ههنا: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } كما قال: { { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [النساء: 29] أي لا يقتل بعضكم بعضاً. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل بن حيان: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي لا يطعن بعضكم على بعض، وقوله تعالى: { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } أي لا تداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها. قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك، قال: فينا نزلت في بني سلمة: { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا واحداً منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فنزلت: { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن داود به. وقوله جل وعلا: { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ } أي بئس الصفة والاسم الفسوق، وهو التنابز بالألقاب؛ كما كان أهل الجاهلية يتناعتون، بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } أي من هذا، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ }.