خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٧
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٣٩
-الأنعام

تفسير القرآن العظيم

يقول تعالى مخبراً عن المشركين، أنهم كانوا يقولون: لولا نزل عليه آية من ربه، أي: خارق؛ على مقتضى ما كانوا يريدون، ومما يتعنتون؛ كقولهم: { { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } [الإسراء: 90] الآيات: { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ ءايَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: هو تعالى قادر على ذلك، ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك؛ لأنه لو أنزل وفق ما طلبوا، ثم لم يؤمنوا، لعاجلهم بالعقوبة؛ كما فعل بالأمم السالفة، كما قال تعالى: { { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَـٰتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَـٰتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا } [الإسراء: 59] وقال تعالى: { { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ } [الشعراء: 4]. وقوله: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } قال مجاهد: أي: أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. وقال قتادة: الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة، وقال السدي: { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } أي: خلق أمثالكم.

وقوله: { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَـٰبِ مِن شَيْءٍ } أي: الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحداً من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان برياً أو بحرياً؛ كقوله: { { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [هود: 6] أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، وقال تعالى: { { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [العنكبوت: 60] وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قل الجراد في سنة من سني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها، فسأل عنه، فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك، فأرسل راكباً إلى كذا، وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق، يسأل: هل رؤي من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها، كبر ثلاثاً، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق الله عز وجل ألف أمة، منها ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر، وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت، تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه" . وقوله: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال: حشرها الموت، وكذا رواه ابن جرير من طريق إسرائيل، عن سعيد، عن مسروق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: موت البهائم حشرها، وكذا رواه العوفي عنه، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والضحاك مثله. (والقول الثاني): إن حشرها هو يوم بعثها يوم القيامة، لقوله: { { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } [التكوير: 5] وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سليمان، عن منذر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان، فقال: "يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطحان؟" قال: لا، قال: "لكن الله يدري، وسيقضي بينهما" ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عمن ذكره، عن أبي ذر، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عنزان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون فيم انتطحتا؟" قالوا: لا ندري، قال: "لكن الله يدري، وسيقضي بينهما" رواه ابن جرير، ثم رواه من طريق منذر الثوري، عن أبي ذر، فذكره، وزاد: قال أبو ذر: ولقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء، إلا ذكر لنا منه علماً. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسند أبيه: حدثني عباس بن محمد، وأبو يحيى البزار، قالا: حدثنا حجاج بن نصير، حدثنا شعبة، عن العوام بن مراجم من بني قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النهدي، عن عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة" وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، في قوله: { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَـٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } قال: يحشر الخلق كلهم يوم القيامة؛ البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ، أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني تراباً، فلذلك يقول الكافر: { يَـٰلَيْتَنِي كُنتُ } وقد روي هذا مرفوعاً في حديث الصور.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي: مثلهم في جهلهم، وقلة علمهم، وعدم فهمهم؛ كمثل أصم، وهو الذي لا يسمع، أبكم، وهو الذي لا يتكلم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق، أو يخرج مما هو فيه؟ كقوله: { { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَـٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [البقرة:17-18] وكما قال تعالى: { { أَوْ كَظُلُمَـٰتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَـٰهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَـٰتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور: 40] ولهذا قال: { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي: هو المتصرف في خلقه بما يشاء.