خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ
١٣
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ
١٤
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٥
-التوبة

تفسير القرآن العظيم

وهذا أيضاً تهييج وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين بأيمانهم الذين هموا بإخراج الرسول من مكة، كما قال تعالى: { { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } [الأنفال: 30] وقال تعالى: { { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّـٰكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } [الممتحنة: 1]، وقال تعالى: { { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا } [الإسراء: 76] الآية، وقوله: { وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } قيل: المراد بذلك: يوم بدر، حين خرجوا لنصر عيرهم، فلما نجت، وعلموا بذلك. استمروا على وجوههم؛ طلباً للقتال بغياً وتكبراً؛ كما تقدم بسط ذلك، وقيل: المراد: نقضهم العهد، وقتالهم مع حلفائهم بني بكر لخزاعة أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وكان ما كان، ولله الحمد والمنة.

وقوله: { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ } يقول تعالى: لا تخشوهم، واخشون، فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتي وعقوبتي، فبيدي الأمر، وما شئت كان، ومالم أشأ لم يكن، ثم قال تعالى عزيمة على المؤمنين، وبياناً لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد، مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده: { قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }: وهذا عام في المؤمنين كلهم، وقال مجاهد وعكرمة والسدي في هذه الآية: { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } يعني: خزاعة، وأعاد الضمير في قوله: { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } عليهم أيضاً. وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: عن مسلم بن يسار عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غضبت، أخذ بأنفها، وقال: "يا عويش قولي: اللهم رب النبي محمد اغفر ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن" ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم، عن الباغندي، عن هشام بن عمار، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجون، عنه { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } أي: من عباده { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } أي: بما يصلح عباده { حَكِيمٌ } في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية، فيفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبداً، ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر، بل يجازي عليه في الدنيا والآخرة.