يقول تعالى ذكره: وأنيبوا إلى ربكم أيها الناس، وأسلموا له، أن لا تقول نفس يوم القيامة: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله، في أمر الله، وأن لا تقول نفس أخرى: لو أن الله هداني للحقّ، فوفقني للرشاد لكنت ممن اتقاه بطاعته واتباع رضاه، أو أن لا تقول أخرى حين ترى عذاب الله فتعاينه { لَوْ أنَّ لي كَرَّةً } تقول: لو أن لي رجعة إلى الدنيا { فأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ } الذين أحسنوا في طاعة ربهم، والعمل بما أمرتهم به الرسل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة
{ { يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } }... الآية، قال: هذا قول صنف منهم { أوْ تَقُولَ لَوْ أنَّ اللَّهَ هَدَانِي... } الآية، قال: هذا قول صنف آخر: { أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ }... الآية، يعني بقوله { لَوْ أنَّ لي كَرَّةً } رجعة إلى الدنيا، قال: هذا صنف آخر. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:
{ { أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } قال: أخبر الله ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: { { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرً } } { { أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } { أوْ تَقُولَ لَوْ أنَّ اللَّهَ هَدَانِي... } إلى قوله: { فأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ } يقول: من المهتدين، فأخبر الله سبحانه أنهم لو رُدّوا لم يقدروا على الهدي، وقال: { { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لمَا نُهُوا عَنْهُ وَإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } وقال: { { وَنُقَلِّبُ أفْئِدَتِهُمْ وأبْصَارَهُمْ } كما لم يؤمنوا به أول مرة، قال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا. وفي نصب قوله { فأَكُونَ } وجهان أحدهما: أن يكون نصبه على أنه جواب لو والثاني: على الرد على موضع الكرة، وتوجيه الكرة في المعنى إلى: لو أن لي أن أكر، كما قال الشاعر:
فَما لَكَ مِنْها غيرُ ذِكْرى وَحَسْرَةٍوَتَسأَلَ عَنْ رُكْبانِها أيْنَ يَمَّمُوا؟
فنصب تسأل عطفاً بها على موضع الذكرى، لأن معنى الكلام: فمالك (...) بيرسلَ على موضع الوحي في قوله: { { إلاَّ وَحْياً } }.