يقول تعالى ذكره: كم ترك فرعون وقومه من القبط بعد مهلكهم وتغريق الله إياهم من بساتين وأشجار، وهي الجنات، وعيون، يعني: ومنابع ما كان ينفجر في جنانهم وزروع قائمة في مزارعهم { ومَقامٍ كَرِيم } يقول: وموضع كانوا يقومونه شريف كريم.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله ذلك المقام بالكرم، فقال بعضهم: وصفه بذلك لشرفه، وذلك أنه مَقام الملوك والأمراء، قالوا: وإنما أريد به المنابر. ذكر من قال ذلك:
حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق الأزرق، قال: ثنا سعيد بن محمد الثقفي، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مُهاجر، عن أبيه، عن مجاهد، في قوله:{ وَمَقامٍ كَرِيم } قال: المنابر.
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الله بن داود الواسطي، قال: ثنا شريك عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، في قوله: وَمقام كَرِيم قال: المنابر.
وقال آخرون: وصف ذلك المقام بالكرم لحسنه وبهجته. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:{ وَمَقامٍ كَرِيم }: أي حسن.
وقوله:{ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ } يقول تعالى ذكره: وأخرجوا من نعمة كانوا فيها فاكهين متفكهين ناعمين.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:{ فاكِهِينَ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر القارىء { فاكِهِينَ } على المعنى الذي وصفت. وقرأه أبو رجاء العُطاردي والحسن وأبو جعفر المدنيّ «فَكِهِينَ» بمعنى: أشِرِين بَطِرين.
والصواب من القراءة عندي في ذلك، القراءة التي عليها قرّاء الأمصار، وهي{ فاكِهِينَ } بالألف بمعنى ناعمين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ }: ناعمين، قال: إي والله، أخرجه الله من جناته وعيونه وزروعه حتى ورّطه في البحر.
وقوله:{ كَذلكَ وَأوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ } يقول تعالى ذكره: هكذا كما وصفت لكم أيها الناس فعلنا بهولاء الذي ذكرتُ لكم أمرهم، الذين كذّبوا رسولنا موسى صلى الله عليه وسلم.
وقوله:{ وأوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ } يقول تعالى ذكره وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومَقاماتهم وما كانوا فيه من النعمة عنهم قوماً آخرين بعد مهلكهم، وقيل: عُنِي بالقوم الآخرين بنو إسرائيل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:{ كَذلكَ وأوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ } يعني بني إسرائيل.