خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٢
-الأنعام

جامع البيان في تفسير القرآن

ذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين قال المشركون له: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك. ذكر من قال ذلك:

حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو زيد، عن أشعث، عن كُردوس الثعلبي، عن ابن مسعود، قال: مرّ الملأ من قريش بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك، هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا، أنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ اطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فنزلت هذه الآية: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدونَ وَجْهَه وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ... } إلى آخر الآية.

حدثنا جرير، عن أشعث، عن كردوس الثعلبي، عن عبد الله، قال: مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر نحوه.

حدثني أبو السائب، قال: ثنا حفص بن غياث، عن أشعث، عن كردوس، عن ابن عباس، قال: مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ملأ من قريش، ثم ذكر نحوه.

حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، عن أبي سعيد الأزديّ وكان قارىء الأزد عن أبي الكنود، عن خباب، في قول الله تعالى: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }... إلى قوله: { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمينَ } قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال وصهيب وعمار وخباب، في أناس من ضعفاء المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فقالوا: إنا نحبّ أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال: «نَعَمْ» قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً قال: فدعا بالصحيفة، ودعا عليًّا ليكتب، قال: ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبريل بهذه الآية: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }، ثم قال: { { وكذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهُؤَلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشَّاكِرِينَ } ثم قال: { { وَإذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } }. فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده، ثم دعانا، فأتيناه وهو يقول: { { سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } }. فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله تعالى: { { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحيَاةِ الدُّنْيا } قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم.

حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، عن أبي سعيد الأزديّ، عن أبي الكنود، عن خباب بن الأرت، بنحو حديث الحسين بن عمرو إلاَّ أنه قال في حديثه: فلما رأوهم حوله نَفَّروهم، فأتوه فخَلَوا به. وقال أيضاً: { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }، ثم ذكر الأقرع وصاحبه، فقال: { { وكَذَلكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } }... الآية. وقال أيضاً: فدعانا فأتيناه وهو يقول: «سَلامٌ عَلَيْكُمْ» فدنونا منه يومئذٍ حتى وضعنا ركبنا على ركبتيه، وسائر الحديث نحوه.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، وحدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة والكلبي: أن ناساً من كفار قريش قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إن سَرَّكَ أن نتبعك فاطرد عنا فلاناً وفلاناً ناساً من ضعفاء المسلمين. فقال الله تعالى: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدونَ وَجْهَه }.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ }... إلى قوله: { { وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } }... الآية، قال: وقد قال قائلون من الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد إن سرّك أن نتبعك فاطرد عنا فلاناً وفلاناً لأناس كانوا دونهم في الدنيا ازدراهم المشركون. فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى آخرها.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } بلال وابن أمّ عبد كانا يجالسان محمداً صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش محقرتهما: لولاهما وأمثالهما لجالسناه فنهي عن طردهم، حتى قوله: { { ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشَّاكِرِينَ } قال: قل سلام عليكم فيما بين ذلك في هذا.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال: قال سعيد: نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم ابن مسعود، قال: كنا نسبق إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وندنو منه ونسمع منه، فقالت قريش: يُدْني هؤلاء دوننا؟ فنزلت: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ }.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، في قوله: { وأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ } }... الآية. قال: جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عديّ والحرث بن نوفل وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل في أشراف من بني عبد مناف من الكفار إلى أبي طالب، فقالوا: يا أبا طالب لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وحلفاءنا، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا، كان أعظم في صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقنا له قال: فأتى أبو طالب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فحدثه بالذي كلموه به، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون وإلام يصيرون من قولهم فأنزل الله تعالى هذه الآية: { { وأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُون أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ لَيْس لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } }... إلى قوله: { { ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشَّاكِرِينَ } }. قال: وكانوا: بلالاً وعمار بن ياسر وسالماً مولى أبي حذيفة وصبيحاً مولى أسيد ومن الحلفاء: ابن مسعود، والمقداد بن عمرو، ومسعود ابن القاري، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وعمرو بن عبد عمر ذو الشمالين، ومرثد بن أبي مرثد، وأبو مرثد من غنيِّ حليف حمزة بن عبد المطلب، وأشباههم من الحلفاء. ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: { { وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا } }... الآية فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته، فأنزل الله تعالى: { وَإذَا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ } }... الآية.

حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال رجل للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إني أستحيي من الله أن يراني مع سلمان وبلال وذويهم، فاطردهم عنك وجالس فلاناً وفلاناً قال: فنزل القرآن:{ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } فقرأ حتى بلغ: { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } ما بينك وبين أن تكون من الظالمين إلاَّ أن تطردهم. ثم قال: { { وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا ألَيْسَ اللّهُ بأعْلَمَ بالشَّاكِرِينَ } }. ثم قال: وهؤلاء الذين أمروك أن تطردهم فأبلغهم منى السلام وبشّرهم، وأخبرهم أني قد غفرت لهم وقرأ: { { وَإذَا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } فقرأ حتى بلغ: { وكذَلِكَ نُفصِّلُ الآياتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ } قال: لتعرفها.

واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرهط الذين نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طردهم يدعون ربهم به، فقال بعضهم: هي الصلوات الخمس. ذكر من قال ذلك:

حدثنا المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ } يعني: يعبدون ربهم بالغداة والعشيّ، يعني الصلوات المكتوبة.

حدثنا المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، في قوله: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } قال: هي الصلوات الخمس الفرائض، ولو كان يقول القصّاص هلك من لم يجلس إليهم.

حدثنا هناد بن السريّ وابن وكيع، قالا: ثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } قال: هي الصلاة.

حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ } الصلاة المفروضة: الصبح والعصر.

حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي، قال: ثنا حسن الجعفي، قال: أخبرني حمزة بن المغيرة، عن حمزة بن عيسى، قال: دخلت على الحسن فسألته، فقلت: يا أبا سعيد، أرأيت قول الله: { { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } أهم هؤلاء القصَّاص؟ قال: لا، ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسين قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ } قال: الصلاة المكتوبة.

حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قال: يعبدون ربهم بالغداة والعشيّ يعني الصلاة المفروضة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } هما الصلاتان: صلاة الصبح وصلاة العصر.

حدثني ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، قال: ثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن عبد الله بن عمر في هذه الآية: { { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } الآية، أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم: { { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قالا: الصلوات الخمس.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قال: المصلين المؤمنين بلال وابن أمّ عبد. قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاصّ، فقال سعيد: ما أسرعهم إلى هذا المجلس قال مجاهد: فقلت: يتأوّلون ما قال الله تعالى. قال: وما قال؟ قلت: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قال: وفي هذا ذا؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن، إنما ذاك في الصلاة.

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن منصور، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، قال: الصلاة المكتوبة.

حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: هي الصلاة.

حدثنا المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن إسرائيل، عن عامر، قال: هي الصلاة.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } يقول: صلاة الصبح وصلاة العصر.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: صلى عبد الرحمن في مسجد الرسول، فلما صلى قام فاستند إلى حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فانثال الناس عليه، فقال: يا أيها الناس إليكم فقيل: يرحمك الله، إنما جاءوا يريدون هذه الآية: { { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } فقال: وهذا عُني بهذا إنما هو في الصلاة.

وقال آخرون: هي الصلاة ولكن القوم لم يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد هؤلاء الضعفاء عن مجلسه ولا تأخيرهم عن مجلسه، وإيما سألوه تأخيرهم عن الصفّ الأوّل حتى يكونوا وراءهم في الصفّ. ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { { وكَذِلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } }... الآية، فهم أناس كانوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم من الفقراء، فقال أناس من أشراف الناس: نؤمن لك، وإذا صلينا فأخر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا

وقال آخرون: بل معنى دعائهم كان ذكرهم الله تعالى. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، وحدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قوله: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قال: أهل الذكر.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قال: هم أهل الذكر.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قال: لا تطردهم عن الذكر.

وقال آخرون: بل كان ذلك تعلمهم القرآن وقراءته. ذكر من قال ذلك:

حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر، قوله: { { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ } قال: كان يقرئهم القرآن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون: بل عَنَى بدعائهم ربهم عبادَتهم إياه. ذكر من قال ذلك:

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشيّ } قال: يعني: يعبدون، ألا تر أنه قال: { { لا جَرَمَ أنَّما تَدْعُونَنِي إلَيْهِ } يعني: تعبدونه.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى نهى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يطرد قوماً كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشيّ والدعاء لله يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولاً وكلاماً، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال التي كان عليهم فرضها وغيرها من النوافل التي ترضي والعامل له عابده بما هو عامل له وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشيّ، لأن الله قد سمى العبادة دعاء، فقال تعالى: { { وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } }. وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء، ولا قول أولى بذلك بالصحة من وصف القوم بما وصفهم الله به من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشيّ فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم ولا يخصون منها بشيء دون شيء. فتأويل الكلام إذن: يا محمد أنذر القرآن الذي أنزلته إليك، الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون، فهم من خوف ورودهم على الله الذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير، في العمل له دائمون إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل الله عليك المكذّبون بالله واليوم الآخر من قومك استكباراً على الله. ولا تطردهم ولا تُقْصِهم، فتكون ممن وضعَ الإقصاء في غير موضعه فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه، وقرَّب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدناءَه فإن الذين نهيتك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألون عفوه ومغفرته لصالح أعمالهم وأداء ما ألزمهم من فرائضه ونوافل تطوّعهم وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة والعشيّ، يلتمسون بذلك القربة إلى الله والدنوّ من رضاه. { { ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيءٍ } يقول: ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرزق من شيء، وما عليهم من حساب ما رزقتك من الرزق من شيء، فتطردهم حذار محاسبتي إياك بما خوّلتهم في الدنيا من الرزق. وقوله: { فَتَطْرُدَهُمْ }: جواب لقوله: { { ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَليْهِم مِنْ شَيءٍ } }. وقوله: { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } جواب لقوله: { وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ }.