خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ
٨٩
قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٩٠
قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ
٩١
قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٩٢
ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ
٩٣
وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ
٩٤
قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ
٩٥
فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٩٦
قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ
٩٧
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٩٨
-يوسف

فتح القدير

الاستفهام في قوله: { هَلْ عَلِمْتُمْ } للتوبيخ والتقريع، وقد كانوا عالمين بذلك، ولكنه أراد ما ذكرناه، ويستفاد منه تعظيم الواقعة لكونه في قوّة: ما أعظم الأمر الذي ارتكبتم من يوسف وأخيه، وما أقبح ما أقدمتم عليه؟ كما يقال للمذنب: هل تدري من عصيت؟ والذي فعلوا بيوسف هو ما تقدّم مما قصه الله سبحانه علينا في هذه السورة، وأما ما فعلوا بأخيه، فقال جماعة من المفسرين: هو ما أدخلوه عليه من الغمّ بفراق أخيه يوسف، وما كان يناله منهم من الاحتقار والإهانة، ولم يستفهمهم عما فعلوا بأبيهم يعقوب، مع أنه قد ناله منهم ما قصه الله فيما سبق من صنوف الأذى. قال الواحدي: ولم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغمّ بفراقه تعظيماً له، ورفعاً من قدره، وعلماً بأن ذلك كان بلاء له من الله عزّ وجلّ ليزيد في درجته عنده { إِذْ أَنتُمْ جَـٰهِلُونَ } نفى عنهم العلم، وأثبت لهم صفة الجهل، لأنهم لم يعملوا بما يقتضيه العلم، وقيل: إنه أثبت لهم صفة الجهل لقصد الاعتذار عنهم، وتخفيف الأمر عليهم، فكأنه قال: إنما أقدمتم على هذا الفعل القبيح المنكر وقت عدم علمكم بما فيه من الإثم، وقصور معارفكم عن عاقبته، وما يترتب عليه، أو أراد عند ذلك في أوان الصبا وزمان الصغر، اعتذاراً لهم، لما يدهمهم من الخجل والحيرة مع علمه وعلمهم بأنهم كانوا في ذلك الوقت كباراً.

{ قَالُواْ أَءنَّكَ لاَنتَ يُوسُفُ }. قرأ ابن كثير "إنك" على الخبر بدون استفهام. وقرأ الباقون على الاستفهام التقريري، وكان ذلك منهم على طريق التعجب والاستغراب. قيل: سبب معرفتهم له بمجرد قوله لهم: { مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } أنهم لما قال لهم ذلك تنبهوا وفهموا أنه لا يخاطبهم بمثل هذا إلاّ هو. وقيل: إنه لما قال لهم بهذه المقالة وضع التاج عن رأسه فعرفوه. وقيل: إنه تبسم فعرفوا ثناياه { قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِى } أجابهم بالاعتراف بما سألوه عنه. قال ابن الأنباري: أظهر الاسم فقال: أنا يوسف، ولم يقل: أنا هو، تعظيماً لما وقع به من ظلم إخوته، كأنه قال: أنا المظلوم المستحل منه المحرم، والمراد قتله. فاكتفى بإظهار الاسم عن هذه المعاني، وقال: وهذا أخي مع كونهم يعرفونه ولا ينكرونه؛ لأن قصده وهذا أخي المظلوم كظلمي، { قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } بالخلاص عما ابتلينا به، وقيل: منّ الله علينا بكل خير في الدنيا والآخرة. وقيل: بالجمع بيننا بعد التفرق، ولا مانع من إرادة جميع ذلك { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ }. قرأ الجمهور بالجزم على أن "من" شرطية. وقرأ ابن كثير بإثبات الياء في يتقي. كما في قول الشاعر:

ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبونُ بني زياد

وقيل إنه جعل "من" موصولة لا شرطية، وهو بعيد. والمعنى: إنه من يفعل التقوى أو يفعل ما يقيه عن الذنوب ويصبر على المصائب { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } على العموم، فيدخل فيه ما يفيده السياق دخولاً أوّلياً، وجاء بالظاهر، وكان المقام مقام المضمر، أي: أجرهم للدلالة على أن الموصوفين بالتقوى موصوفون بصفة الإحسان { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } أي: لقد اختارك وفضلك علينا بما خصك به من صفات الكمال، وهذا اعتراف منهم بفضله وعظيم قدره، ولا يلزم من ذلك ألا يكونوا أنبياء، فإن درج الأنبياء متفاوتة، قال الله تعالى: { { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [البقرة: 253] { وَإِن كُنَّا لَخَـٰطِئِينَ } أي: وإن الشأن ذلك. قال أبو عبيدة: خطىء وأخطأ بمعنى واحد. وقال الأزهري: المخطىء من أراد الصواب فصار إلى غيره، ومنه قولهم: المجتهد يخطىء ويصيب، والخاطىء من تعمد ما لا ينبغي. قالوا هذه المقالة المتضمنة للاعتراف بالخطأ والذنب استجلاباً لعفوه واستجذاباً لصفحه.

{ قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ } التثريب التعيير والتوبيخ أي: لا تعيير ولا توبيخ، ولا لوم عليكم. قال الأصمعي: ثربت عليه: قبحت عليه فعله. وقال الزجاج: المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الأخوّة، ولكم عندي الصلح والعفو، وأصل التثريب: الإفساد، وهي لغة أهل الحجاز. وقال ابن الأنباري: معناه. قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب. قال ثعلب: ثرب فلان على فلان إذا عدّد عليه ذنوبه، وأصل التثريب من الثرب، وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش، ومعناه: إزالة التثريب، كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع، وانتصاب { اليوم } بالتثريب، أي: لا أثرب عليكم أو منتصب بالعامل المقدّر في { عليكم } وهو مستقرّ أو ثابت أو نحوهما، أي: لا تثريب مستقر أو ثابت عليكم. وقد جوّز الأخفش الوقف على { عليكم } فيكون: اليوم متعلق بالفعل الذي بعده. وقد ذكر مثل هذا ابن الأنباري، ثم دعا لهم بقوله: { يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } على تقدير الوقف على اليوم، أو أخبرهم بأن الله قد غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على { اليوم }، أو أخبرهم بأن الله قد غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على { عليكم } { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرحِمِينَ } يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم فيجازي محسنهم ويغفر لمسيئهم.

قوله: { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَـٰذَا } قيل: هذا القميص هو القميص الذي ألبسه الله إبراهيم لما ألقي في النار وكساه إبراهيم إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب. وكان يعقوب أدرج هذا القميص في قضيب وعلقه في عنق يوسف لما كان يخاف عليه من العين، فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود عليه بصره؛ لأنّ فيه ريح الجنة، وريح الجنة لا يقع على سقيم إلا شفي، ولا مبتلي إلاّ عوفي { فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا } أي: يصْر بصيراً، على أن { يأت } هي التي من أخوات كان. قال الفراء: يرجع بصيراً. وقال السدّي: يعد بصيراً. وقيل: معناه يأتِ إليّ إلى مصر وهو بصير قد ذهب عنه العمى، ويؤيده قوله: { وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } أي: جميع من شمله لفظ الأهل من النساء والذراري، وقيل: كانوا نحو سبعين، وقيل: ثلاثة وتسعين.

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } أي: خرجت منطلقة من مصر إلى الشام. يقال: فصل فصولاً، وفصلته فصلاً، لازم ومتعدّ، ويقال: فصل من البلد فصولاً: إذا انفصل عنه وجاوز حيطانه { قَالَ أَبُوهُمْ } أي: يعقوب لمن عنده في أرض كنعان من أهله { إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ } قيل: إنها هاجت ريح فحملت ريح القميص إلى يعقوب مع طول المسافة، فأخبرهم بما وجد، ثم قال: { لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } لولا أن تنسبوني إلى الفند، وهو ذهاب العقل من الهرم، يقال: أفند الرجل إذا خرف وتغير عقله. وقال أبو عبيدة: لولا أن تسفهون، فجعل الفند السفه. وقال الزجاج: لولا أن تجهلون، فجعل الفند الجهل، ويؤيد ذلك قول من قال: إنه السفه قول النابغة:

إلاّ سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فاحددها عن الفند

أي: امنعها عن السفه.

وقال أبو عمرو الشيباني: التفنيد: التقبيح، ومنه قول الشاعر:

يا صاحبيّ دعا لومي وَتَفنيدي فليس ما فات من أمري بمردود

وقيل: هو الكذب، ومنه قول الشاعر:

هل في افتخار الكريم من أود؟ أم هل لقول الصدّيق من فند؟

وقال ابن الأعرابي: { لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } لولا أن تضعفوا رأيي، وروي مثله عن أبي عبيدة. وقال الأخفش: التفنيد: اللوم وضعف الرأي. وكل هذه المعاني راجع إلى التعجيز، وتضعيف الرأي، يقال: فنده تفنيداً: إذا عجزه، وأفند: إذا تكلم بالخطأ، والفند: الخطأ من الكلام، ومما يدل على إطلاقه على اللوم قول الشاعر:

يا عاذِلي دعا الملام وأَقصِرا طال الهوى وَأطلتُما التفنيدا

أخبرهم يعقوب بأن الصبا قد حملت إليه ريح حبيبه، وأنه لولا ما يخشاه من التفنيد لما شك في ذلك:

فإن الصبا ريح إذا ما تنفست على نفس مهموم تجلت همومها
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني نسيم الصبا من حيث ما يطلع الفجر
ولقد تهبّ لي الصبا من أرضها فيلذّ مسّ هبوبها ويطيب

{ قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ } أي: قال الحاضرون عنده من أهله: إنك يا يعقوب لفي ذهابك عن طريق الصواب الذي كنت عليه قديماً من إفراط حبك ليوسف لا تنساه، ولا تفترّ عنه، ولسان حال يعقوب يقول لهم:

لا يعرف الشوق إلاّ من يكابده ولا الصبابة إلاّ من يعانيها
لا تعذل المشتاق في أشواقه حتى تكون حشاك في أحشائه

وقيل: المعنى: إنك لفي جنونك القديم، وقيل: في محبتك القديمة. قالوا له ذلك لأنه لم يكن قد بلغهم قدوم البشير. { فَلَمَّا أَن جَاء ٱلْبَشِيرُ } قال المفسرون: البشير هو يهوذا بن يعقوب، قال لإخوته: أنا جئته بالقميص ملطخاً بالدم، فأعطني اليوم قميصك لأخبره أنك حيّ، فأفرحه كما أحزنته { أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي: ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب، أو ألقاه يعقوب على وجه نفسه { فَٱرْتَدَّ بَصِيرًا } الارتداد: انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها، والمعنى: عاد ورجع إلى حالته الأولى من صحة بصره { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ } أي: قال يعقوب لمن كان عنده من أهله الذين قال لهم: إني لأجد ريح يوسف، ألم أقل لكم هذا القول فقلتم ما قلتم، ويكون قوله: { إِنّى أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } كلاماً مبتدأ لا يتعلق بالقول، ويجوز أن تكون جملة: { إِنّى أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } مقول القول، ويريد بذلك إخبارهم بما قاله لهم سابقاً { إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [يوسف: 86]، { قَالُواْ يا أبانا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَـٰطِئِينَ } طلبوا منه أن يستغفر لهم، واعترفوا بالذنب، وفي الكلام حذف، والتقدير: ولما رجعوا من مصر ووصلوا إلى أبيهم قالوا هذا القول، فوعدهم بما طلبوه منه، و { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى }. قال الزجاج: أراد يعقوب أن يستغفر لهم في وقت السحر؛ لأنه أخلق بإجابة الدعاء، لا أنه بخل عليهم بالاستغفار، وقيل: أخره إلى ليلة الجمعة، وقيل: أخره إلى أن يستحلّ لهم من يوسف، ولم يعلم أنه قد عفا عنهم. وجملة { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } تعليل لما قبله.

وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة في قوله: { لاَ تَثْرَيبَ } قال: لا تعيير. وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال: قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة التفت إلى الناس فقال: "ماذا تقولون وماذا تظنون؟ فقالوا: ابن عمّ كريم، فقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعاً نحوه. وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني قال: طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألم تر إلى قول يوسف { لا تثريب عليكم اليوم }؟. وقال يعقوب: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى }.

أقول: وفي هذا الكلام نظر فإنهم طلبوا من يوسف أن يعفو عنهم بقولهم: { لقد آثرك الله علينا }، فقال: لا تثريب عليكم اليوم، لأن مقصودهم صدور العفو منه عنهم، وطلبوا من أبيهم يعقوب أن يستغفر الله لهم وهو لا يكون إلاّ بطلب ذلك منه إلى الله عزّ وجلّ، وبين المقامين فرق، فلم يكن وعد يعقوب لهم بخلاً عليهم بسؤال الله لهم، ولا سيما إذا صح ما تقدّم من أنه أخر ذلك إلى وقت الإجابة. فإنه لو طلبه لهم في الحال لم يحصل له علم بالقبول.

وأخرج الحكيم الترمذي، وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: لما كان من أمر إخوة يوسف ما كان، كتب يعقوب إلى يوسف وهو لا يعلم أنه يوسف: بسم الله الرحمٰن الرحيم، من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إلى عزيز آل فرعون: سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إلٰه إلاّ هو، أما بعد: فإنا أهل بيت مولع بنا أسباب البلاء، كان جدّي إبراهيم خليل الله ألقي في النار في طاعة ربه، فجعلها الله عليه برداً وسلاما، وأمر الله جدّي أن يذبح له أبي ففداه الله بما فداه، وكان لي ابن وكان من أحبّ الناس إليّ ففقدته، فأذهب حزني عليه نور بصري، وكان له أخ من أمه كنت إذا ذكرته ضممته إلى صدري فأذهب عني بعض وجدي، وهوالمحبوس عندك في السرقة، وإني أخبرك أني لم أسرق، ولم ألد سارقاً؛ فلما قرأ يوسف الكتاب بكى وصاح وقال: { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا }.

وأخرج أبو الشيخ عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله: "{ ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَـٰذَا } أن نمروذ لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة، وقعد معه يتحدّث، فأوحى الله إلى النار{ كُونِى بَرْداً وَسَلَـٰمَا } [الأنبياء: 69]" ولولا أنه قال { وسلاماً } لآذاه البرد. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعاً: إن الله كسا إبراهيم ثوباً من الجنة، فكساه إبراهيم إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، فأخذه يعقوب فجعله في قصبة من حديد وعلقه في عنق يوسف، ولو علم إخوته إذ ألقوه في الجب لأخذوه، فلما أراد الله أن يردّ يوسف على يعقوب كان بين رؤياه وتعبيره أربعون سنة، أمر البشير أن يبشره من ثمان مراحل، فوجد يعقوب ريحه فقال: { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون }، فلما ألقاه على وجهه ارتدّ بصيراً، وليس يقع شيء من الجنة على عامة من عاهات الدنيا إلاّ أبرأها بإذن الله.

وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأحمد في الزهد، وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلْعِيرُ } قال: لما خرجت العير هاجت الريح، فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال: { إِنّى لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } تسفهون، فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عنه قال: وجد ريحه من مسيرة عشرة أيام. وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عنه قال: وجده من مسيرة ثمانين فرسخاً. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عنه أيضاً { لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ } قال: تجهلون. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً: قال: تكذبون. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: تهرمون، يقولون: قد ذهب عقلك. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن الربيع قال: لولا أن تحمقون.

وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس { إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ } يقول: خطئك القديم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: جنونك القديم. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: حبك القديم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: البشير: البريد. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن الضحاك مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن سفيان قال: البشير هو يهوذا بن يعقوب. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: لما أن جاء البشير إلى يعقوب فألقى عليه القميص قال: على أيّ دين خلفت يوسف؟ قال: على الإسلام، قال: الآن تمت النعمة.

وأخرج أبو عبيد، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن مسعود في قوله: { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى } قال: إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر. وأخرج ابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس قال: أخرهم إلى السحر، وكان يصلي بالسحر. وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عنه قال: أخرّهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عنه أيضاً قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في قصه "هو قول أخي يعقوب لبنيه: سوف أستغفر لكم ربي، يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة" .