قوله: { فَٱسْتَجَابَ } الاستجابة بمعنى: الإجابة؛ وقيل: الإجابة عامة، والاستجابة خاصة بإعطاء المسئول، وهذا الفعل يتعدى بنفسه، وباللام، يقال استجابه، واستجاب له، والفاء للعطف؛ وقيل: على مقدّر: أي: دعوا بهذه الأدعية، فاستجاب لهم، وقيل: على قوله: { وَيَتَفَكَّرُونَ } وإنما ذكر سبحانه الاستجابة، وما بعدها في جملة ما لهم من الأوصاف الحسنة؛ لأنها منه، إذ من أجيبت دعوته، فقد رفعت درجته. قوله: { أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } أي بأني، وقرأ عيسى بن عمرو بكسر الهمزة على تقدير القول الأول، وقرأ أبيّ بثبوت الباء، وهي للسببية، أي: فاستجاب لهم ربهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم. والمراد بالإضاعة: ترك الإثابة. قوله: { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } "من" بيانية ومؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم. قوله: { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } أي: رجالكم مثل نسائكم في الطاعة، ونساؤكم مثل رجالكم فيها، والجملة معترضة لبيان كون كل منهما من الآخر باعتبار تشعبهما من أصل واحد.
قوله: { فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ } الآية، هذه الجملة تتضمن تفصيل ما أجمل في قوله: { أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ } أي فالذين هاجروا من أوطانهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } في طاعة الله عزّ وجلّ { وَقَاتِلُواْ } أعداء الله { وَقُتّلُواْ } في سبيل الله، وقرأ ابن كثير، وابن عامر: «وقتّلوا» على التكثير وقرأ الأعمش، وحمزة، والكسائي: «وقتلوا وقاتلوا» وهو مثل قول الشاعر:
تصابى وأمسى علاه الكبر
أي: قد علاه الكبر، وأصل الواو لمطلق الجمع بلا ترتيب، كما قال به الجمهور. ولمراد هنا: أنهم قاتلوا، وقتل بعضهم، كما قال امرؤ القيس: فإن تقتلونا نقتلكمو
وقرأ عمر بن عبد العزيز: «وقتلوا وقتلوا». ومعنى قوله: { وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } أي: بسببه، والسبيل: الدين الحق. والمراد هنا: ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله، وعملهم بما شرعه الله لعباده. وقوله: { لأكَفّرَنَّ } جواب قسم محذوف. وقوله: { ثَوَاباً مّن عِندِ ٱللَّهِ } مصدر مؤكد عند البصريين، لأن معنى قوله: { لأدخلنهم جَنَّـٰتُ } لأثيبنهم ثواباً، أي: إثابة، أو تثويباً كائناً من عند الله. وقال الكسائي: إنه منتصب على الحال. وقال الفراء: على التفسير { وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } أي: حسن الجزاء، وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله من ثاب يثوب: إذا رجع.
وقد أخرج سعيد بن منصور، وعبد الرزاق، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، عن أم سلمة قالت: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ } إلى آخر الآية. وأخرج ابن أبي حاتم، عن عطاء قال: «ما من عبد يقول يا ربّ يا ربّ يا ربّ ثلاث مرات إلا نظر الله إليه» فذكر للحسن، فقال: أما تقرأ القرآن؟ { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً } إلى قوله: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ }. وأخرج ابن مردويه، عن أم سلمة قالت: آخر آية نزلت هذه الآية: { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } إلى آخرها. وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة.