خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
١٥
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
١٦
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٧
وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ
١٨
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٩
حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٠
وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ
٢٢
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ
٢٣
فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ
٢٤
-فصلت

فتح القدير

لما ذكر سبحانه عادًا، وثمود إجمالاً ذكر ما يختص بكل طائفة من الطائفتين تفصيلاً، فقال: { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } أي: تكبروا عن الإيمان بالله، وتصديق رسله، واستعلوا على من في الأرض بغير الحق، أي: بغير استحقاق ذلك الذي وقع منهم من التكبر، والتجبر. ثم ذكر سبحانه بعض ما صدر عنهم من الأقوال الدالة على الاستكبار، فقال: { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً }، وكانوا ذوي أجسام طوال، وقوّة شديدة، فاغترّوا بأجسامهم حين تهدّدهم هود بالعذاب، ومرادهم بهذا القول: أنهم قادرون على دفع ما ينزل بهم من العذاب، فردّ الله عليهم بقوله: { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً }، والاستفهام للاستنكار عليهم، وللتوبيخ لهم، أي: أو لم يعلموا بأن الله أشد منهم قدرة، فهو قادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء بقوله كن، فيكون { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ } أي: بمعجزات الرسل التي خصهم الله بها، وجعلها دليلاً على نبوّتهم، أو بآياتنا التي أنزلناها على رسلنا، أو بآياتنا التكوينية التي نصبناها لهم، وجعلناها حجة عليهم، أو بجميع ذلك. ثم ذكر سبحانه ما أنزل عليهم من عذابه، فقال: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } الصرصر: الريح الشديدة الصوت من الصرّة، وهي: الصيحة. قال أبو عبيدة: معنى صرصر: شديدة عاصفة. وقال الفراء: هي: الباردة تحرق كما تحرق النار. وقال عكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة: هي: الباردة، وأنشد قطرب قول الحطيئة:

المطعمون إذا هبت بصرصرة والحاملون إذا استودوا عن الناس

أي: إذا سئلوا الدية. وقال مجاهد: هي: الشديدة السموم، والأولى تفسيرها بالبرد، لأن الصرّ في كلام العرب البرد، ومنه قول الشاعر:

لها غرد كقرون النسا ء ركبن في يوم ريح وصر

قال ابن السكيت: صرصر يجوز أن يكون من الصرّ، وهو: البرد، ويجوز أن يكون من صرصر الباب، ومن الصرة وهي: الصيحة، ومنه: { { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ } [الذاريات: 29]. ثم بيّن سبحانه وقت نزول ذلك العذاب عليهم، فقال: { فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } أي: مشئومات ذوات نحوس. قال مجاهد، وقتادة: كنّ آخر شوّال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء، وذلك سبع ليال، وثمانية أيام حسوماً. وقيل: نحسات باردات. وقيل: متتابعات. وقيل: شداد. وقيل: ذوات غبار. قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو: (نحسات) بإسكان الحاء على أنه جمع نحس، وقرأ الباقون بكسرها، واختار أبو حاتم القراءة الأولى لقوله: { { فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ } [القمر: 19] واختار أبو عبيدة القراءة الثانية. { لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي: لكي نذيقهم، والخزي هو: الذل، والهوان بسبب ذلك الاستكبار { وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَخْزَىٰ } أي: أشدّ إهانة، وذلاً، ووصف العذاب بذلك، وهو في الحقيقة وصف للمعذبين، لأنهم الذين صاروا متصفين بالخزي { وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } أي: لا يمنعون من العذاب النازل بهم، ولا يدفعه عنهم دافع.

ثم ذكر حال الطائفة الأخرى، فقال: { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ } أي: بينا لهم سبيل النجاة، ودللناهم على طريق الحقّ بإرسال الرسل إليهم، ونصب الدلالات لهم من مخلوقات الله، فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله، ويصدّق رسله. قال الفراء: معنى الآية: دللناهم على مذهب الخير بإرسال الرسل. قرأ الجمهور: { وأما ثمود } بالرفع، ومنع الصرف. وقرأ الأعمش، وابن وثاب بالرفع، والصرف، وقرأ ابن عباس، وابن أبي إسحاق، وعاصم في رواية بالنصب، والصرف وقرأ الحسن، وابن هرمز، وعاصم في رواية بالنصب، والمنع، فأما الرفع، فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر، وأما النصب فعلى الاشتغال، وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب، أو الحي، وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } أي: اختاروا الكفر على الإيمان، وقال أبو العالية: اختاروا العمى على البيان، وقال السدّي: اختاروا المعصية على الطاعة { فَأَخَذَتْهُمْ صَـٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ } قد تقدّم أن الصاعقة اسم للشيء المهلك لأيّ شيء كان، والهون الهوان والإهانة، فكأنه قال: أصابهم مهلك العذاب ذي الهوان أو الإهانة، ويقال عذاب هون، أي: مهين كقوله: { { مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } [سبأ: 14]، والباء في { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } للسببية، أي: بسبب الذي كانوا يكسبونه، أو بسبب كسبهم { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }، وهم: صالح ومن معه من المؤمنين، فإن الله نجاهم من ذلك العذاب، ثم لما ذكر سبحانه ما عاقبهم به في الدنيا ذكر ما عاقبهم به في الآخرة، فقال: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ }، وفي وصفهم بكونهم أعداء الله مبالغة في ذمهم، والعامل في الظرف محذوف دلّ عليه ما بعده تقديره: يساق الناس يوم يحشر، أو باذكر، أي: اذكر يوم يحشرهم. قرأ الجمهور: { يحشر } بتحتية مضمومة، ورفع أعداء على النيابة، وقرأ نافع: (نحشر) بالنون، ونصب أعداء، ومعنى حشرهم إلى النار: سوقهم إليها، أو إلى موقف الحساب، لأنه يتبين عنده فريق الجنة، وفريق النار { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي: يحبس أوّلهم على آخرهم؛ ليتلاحقوا ويجتمعوا، كذا قال قتادة، والسدّي، وغيرهما، وقد سبق تحقيق معناه في سورة النمل مستوفى.

{ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا } أي: جاءوا النار التي حشروا إليها، أو موقف الحساب، و «ما» مزيدة للتوكيد { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا من المعاصي. قال مقاتل: تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم بالشرك، والمراد بالجلود هي: جلودهم المعروفة في قول أكثر المفسرين. وقال السدّي، وعبيد الله بن أبي جعفر، والفراء: أراد بالجلود الفروج، والأوّل أولى { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } وجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها ما ذكره الرازي أن الحواس الخمس وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، وآلة المس هي الجلد، فالله سبحانه ذكر هنا ثلاثة أنواع من الحواس، وهي: السمع، والبصر، واللمس، وأهمل ذكر نوعين، وهما: الذوق، والشم، فالذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام، وكذلك الشم لا يتأتى حتى تصير جلدة الحنك مماسة لجرم المشموم، فكانا داخلين في جنس اللمس، وإذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال، لأنها قد اشتملت على ثلاث حواس، فكان تأتي المعصية من جهتها أكثر وأما على قول من فسر الجلود بالفروج، فوجه تخصيصها بالسؤال ظاهر، لأنه ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحاً، وأجلب للخزي والعقوبة، وقد قدّمنا وجه إفراد السمع، وجمع الأبصار { قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء } أي: أنطق كلّ شيء مما ينطق من مخلوقاته، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح. وقيل: المعنى: ما نطقنا باختيارنا، بل أنطقنا الله، والأوّل أولى { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } قيل: هذا من تمام كلام الجلود. وقيل: مستأنف من كلام الله، والمعنى: أن من قدر على خلقكم، وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم، ورجعكم إليه.

{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } هذا تقريع لهم، وتوبيخ من جهة الله سبحانه، أو من كلام الجلود، أي: ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة حذراً من شهادة الجوارح عليكم، ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا: ترك المعصية. وقيل: معنى الاستتار: الاتقاء، أي: ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة، فتتركوا المعاصي خوفاً من هذه الشهادة و «أن» في قوله: { أَن تَشْهَدَ } في محل نصب على العلة، أي: لأجل أن تشهد، أو مخافة أن تشهد. وقيل: منصوبة بنزع الخافض، وهو: الباء أو عن أو من. وقيل: إن الاستتار مضمن معنى الظنّ، أي: وما كنتم تظنون أن تشهد، وهو: بعيد { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْلَمُونَ } من المعاصي، فاجترأتم على فعلها. قيل: كان الكفار يقولون: إن الله لا يعلم ما في أنفسنا، ولكن يعلم ما نظهر دون ما نسرّ. قال قتادة: الظنّ هنا بمعنى: العلم وقيل: أريد بالظنّ معنى مجازي يعمّ معناه الحقيقي، وما هو فوقه من العلم، والإشارة بقوله: { ذٰلِكُمْ } إلى ما ذكر من ظنهم، وهو: مبتدأ وخبره: { ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ }، وقوله: { أَرْدَاكُمْ } خبر آخر للمبتدأ. وقيل: إن أرداكم في محل نصب على الحال المقدّرة. وقيل: إن ظنكم بدل من ذلكم، والذي ظننتم خبره، وأرداكم خبر آخر، أو حال، وقيل: إن ظنكم خبر أوّل، والموصول وصلته خبر ثان، وأرداكم خبر ثالث، والمعنى: أن ظنكم بأن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون أهلككم، وطرحكم في النار { فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ ٱلُخَـٰسِرِينَ } أي: الكاملين في الخسران.

ثم أخبر عن حالهم، فقال: { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } أي: فإن يصبروا على النار، فالنار مثواهم، أي: محل استقرارهم، وإقامتهم لا خروج لهم منها. وقيل: المعنى: فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار، فالنار مثوى لهم { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } يقال: أعتبني فلان، أي: أرضاني بعد إسخاطه إياي، واستعتبته طلبت منه أن يرضى، والمعنى: أنهم إن يسألوا أن يرجع بهم إلى ما يحبون لم يرجع، لأنهم لا يستحقون ذلك. قال الخليل: تقول: استعبته، فأعتبني، أي: استرضيته، فأرضاني، ومعنى الآية: إن يطلبوا الرضى لم يقع الرضى عنهم، بل لا بدّ لهم من النار. قرأ الجمهور: { يستعتبوا } بفتح التحتية، وكسر التاء الفوقية الثانية مبنياً للفاعل. وقرءوا: { من المعتبين } بفتح الفوقية اسم مفعول، وقرأ الحسن، وعبيد بن عمير، وأبو العالية: (يستعتبوا) مبنياً للمفعول (فما هم من المعتبين) اسم فاعل، أي: إنهم إن أقالهم الله، وردّهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته كما في قوله سبحانه: { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28].

وقد أخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله: { فَهُمْ يُوزَعُونَ } قال: يحبس أوّلهم على آخرهم. وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يدفعون. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن مسعود قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفر: قرشي وثقفيان، أو ثقفيّ وقرشيان، كثير لحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخران: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإنا إذا لم نرفعه لم يسمعه، فقال الآخران: إن سمع منه شيئاً سمعه كله؛ قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ } إلى قوله: { مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ }. وأخرج عبد الرزاق، وأحمد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحشرون ها هنا، وأومأ بيده إلى الشام، مشاة وركباناً، وعلى وجوهكم، وتعرضون على الله، وعلى أفواهكم الفدام، وأوّل ما يعرب عن أحدكم، فخذه وكتفه" وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ }». وأخرج أحمد، وأبو داود الطيالسي، وعبد بن حميد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، وابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتنّ أحدكم إلاّ وهو يحسن الظن بالله تعالى، فإن قوماً قد أرداهم سوء ظنهم بالله، فقال الله: { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ ٱلُخَـٰسِرِينَ }" .