خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣
-المائدة

فتح القدير

.

هذا شروع في المحرّمات التي أشار إليها سبحانه بقوله: { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ }. والميتة قد تقدّم ذكرها في البقرة، وكذلك الدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وما هنا من تحريم مطلق الدم مقيد بكونه مسفوحاً كما تقدّم، حملاً للمطلق على المقيد، وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله صلى الله عليه وسلم: "أحلّ لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال" أخرجه الشافعي، وأحمد، وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي إسناده مقال، ويقوّيه حديث: "هو الطهور ماؤه والحلّ ميتته" ، وهو عند أحمد وأهل السنن وغيرهم، وصححه جماعة منهم ابن خزيمة وابن حبان، وقد أطلنا الكلام عليه في شرحنا للمنتقى. والإهلال: رفع الصوت لغير الله كأن يقول: بسم اللات والعزى ونحو ذلك، ولا حاجة بنا هنا إلى تكرير ما قد أسلفناه، ففيه ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره.

{ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } هي التي تموت بالخنق: وهو حبس النفس، سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل أو بين عودين، أو بفعل آدميّ أو غيره. وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة، فإذا ماتت أكلوها. { وَٱلْمَوْقُوذَةُ }هي التي تضرب بحجر أو عصا، حتى تموت من غير تذكية، يقال: وقَذَهَ يقَذُهَ وَقْذاً فهو وَقِيذٌ، والوقذ: شدّة الضرب، وفلان وقيذ، أي مثخن ضرباً، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها، ومنه قول الفرزدق:

شغارةٌ تقِذ الفَصيلَ بِرِجْلها فطارةٌ لِقَوادِمِ الأظْفَارِ

قال ابن عبد البر: واختلف العلماء قديماً وحديثاً في الصيد بالبندق والحجر والمعراض، ويعني بالبندق: قوس البندقة، وبالمعراض: السهم الذي لا ريش له. أو العصا التي رأسها محدّد، قال: فمن ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته، على ما روى عن ابن عمر، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي، وخالفهم الشاميون في ذلك. قال الأوزاعي في المعراض: كله خرق أو لم يخرق، فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأساً. قال ابن عبد البرّ: هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر، والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع، قال: والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة، حديث عديّ بن حاتم، وفيه: "ما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ" ، انتهى.

قلت: والحديث في الصحيحين وغيرهما. عن عديّ قال: قلت: يا رسول الله، إني أرمي بالمعراض الصيد، فأصيب فقال: "إذا رميت بالمعراض فخرق فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله" . فقد اعتبر صلى الله عليه وسلم الخرق وعدمه، فالحق: أنه لا يحلّ إلا ما خرق لا ما صدم، فلا بد التذكية قبل الموت وإلا كان وقيذاً. وأما البنادق المعروفة الآن: وهي بنادق الحديد التي تجعل فيها البارود والرصاص ويرمى بها، فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها، فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة، وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات ولم يتمكن الصائد من تذكيته حياً؟ والذي يظهر لي أنه حلال؛ لأنها تخرق وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من الجانب الآخر، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح السابق: "إذا رميت بالمعراض فخرق فكله" ، فاعتبر الخرق في تحليل الصيد.

قوله: { وَٱلْمُتَرَدّيَةُ } هي التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت، من غير فرق بين أن تتردّى من جبل، أو بئر، أو مدفن، أو غيرها، والتردّي مأخوذ من الردى وهو الهلاك، وسواء تردّت بنفسها أو ردّها غيرها. قوله: { وَٱلنَّطِيحَةُ } هي فعيلة بمعنى مفعولة، وهي التي تنطحها أخرى فتموت من دون تذكية، وقال قوم أيضاً: فعيلة بمعنى فاعلة، لأن الدابتين تتناطحان فتموتان، وقال: نطيحة ولم يقل: نطيح مع أنه قياس فعيل، لأن لزوم الحذف مختص بما كان من هذا الباب، صفة لموصوف مذكور، فإن لم يذكر ثبتت التاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية. وقرأ أبو ميسرة «والمنطوحة».

قوله: { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } أي: ما افترسه ذو ناب كالأسد، والنمر، والذئب، والضبع، ونحوها، والمراد هنا: ما أكل منه السبع، لأن ما أكله السبع كله قد فنى، ومن العرب من يخص اسم السبع بالأسد، وكانت العرب إذا أكل السبع شاة، ثم خلصوها منه أكلوها، وإن ماتت، ولم يذكوها. وقرأ الحسن وأبو حيوة "ٱلسَّبْعُ" بسكون الباء، وهي لغة لأهل نجد ومنه قول حسان في عتبة بن أبي لهب:

من يرجع العامَ إلى أهله فَما أكِيلُ السّبْع بالرَّاجعِ

وقرأ ابن مسعود «وأكيلة السبع». وقرأ ابن عباس: «وأكيل السبع». قوله: { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } في محل نصب على الاستثناء المتصل عند الجمهور، وهو راجع على ما أدركت ذكاته من المذكورات سابقاً، وفيه حياة، وقال المدنيون: وهو المشهور من مذهب مالك، وهو أحد قولي الشافعي أنه: إذا بلغ السبع منها إلى ما لا حياة معه فإنها لا تؤكل. وحكاه في الموطأ عن زيد بن ثابت، وإليه ذهب إسماعيل القاضي، فيكون الاستثناء على هذا القول منقطعاً، أي حرمت عليكم هذه الأشياء، لكن ما ذكيتم فهو الذي يحلّ ولا يحرم، والأوّل أولى. والذكاة في كلام العرب: الذبح، قاله قطرب وغيره. وأصل الذكاة في اللغة: التمام، أي تمام استكمال القوّة، والذكاء حدة القلب، والذكاء سرعة الفطنة، والذكوة ما تذكى منه النار، ومنه أذكيت الحرب والنار: أوقدتهما، وذكاء اسم الشمس، والمراد هنا: إلا ما أدركتم ذكاته على التمام، والتذكية في الشرع: عبارة عن إنهار الدم، وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور، والعقر في غير المقدور، مقروناً بالقصد لله، وذكر اسمه عليه. وأما الآلة التي تقع بها الذكاة: فذهب الجمهور إلى أن كل ما أنهر الدم، وأفرى الأوداج فهو آلة للذكاة ما خلا السن والعظم، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة.

قوله: { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } قال ابن فارس: النصب: حجر كان ينصب فيعبد ويصبّ عليه دماء الذبائح. والنصائب حجارة تنصب حوالي شفير البئر فتجعل عضائد. وقيل: النصب: جمع واحده نصاب، كحمار وحمر. وقرأ طلحة بضم النون وسكون الصاد. وروى عن أبي عمرو بفتح النون وسكون الصاد. وقرأ الجحدري بفتح النون والصاد، جعله اسماً موحداً كالجبل والجمل، والجمع أنصاب كالأجبال والأجمال، قال مجاهد: هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها. قال ابن جريج: كانت العرب تذبح بمكة، وتنضح بالدم ما أقبل من البيت، ويشرّحون اللحم ويضعونه على الحجارة، فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحقّ أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال، فأنزل الله { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } والمعنى: والنية بذلك تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز، ولهذا قيل: إن "عَلَىٰ" بمعنى اللام: أي لأجلها. قاله قطرب، وهو على هذا داخل فيما أهلّ به لغير الله، وخصّ بالذكر لتأكيد تحريمه، ولدفع ما كانوا يظنونه من أن ذلك لتشريف البيت وتعظيمه.

قوله: { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأزْلاَمِ } معطوف على ما قبله، أي وحرّم عليكم الاستقسام بالأزلام، والأزلام: قداح الميسر واحدها: زلم، قال الشاعر:

بات يقاسيها غلام كالزّلم ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على لحم وضم

وقال آخر:

فلئن جذيمة قتلت ساداتها فنساؤها يضربن بالأزلام

والأزلام للعرب ثلاثة أنواع: أحدها: مكتوب فيه افعل، والآخر: مكتوب فيه لا تفعل، والثالث: مهمل لا شيء عليه، فيجعلها في خريطة معه، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده وهي متشابهة فأخرج واحداً منها، فإن خرج الأوّل فعل ما عزم عليه، وإن خرج الثاني تركه، وإن خرج الثالث أعاد الضرب حتى يخرج واحد من الأوّلين. وإنما قيل لهذا الفعل استقسام؛ لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق، وما يريدون فعله، كما يقال استسقى: أي استدعى السقي، فالاستقسام: طلب القسم والنصيب. وجملة قداح الميسر عشرة، وقد قدّمنا بيانها، وكانوا يضربون بها في المقامرة، وقيل: إن الأزلام كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها، وقيل: هي الشطرنج، وإنما حرّم الله والاستقسام بالأزلام؛ لأنه تعرّض لدعوى علم الغيب، وضرب من الكهانة.

قوله: { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ }إشارة إلى الاستقسام بالأزلام، أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا. والفسق: الخروج عن الحدّ، وقد تقدّم بيان معناه، وفي هذا وعيد شديد؛ لأن الفسق هو أشدّ الكفر، لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر. قوله: { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } المراد: اليوم الذي نزلت فيه الآية، وهو يوم فتح مكة، لثمان بقين من رمضان، سنة تسع. وقيل: سنة ثمان؛ وقيل المراد باليوم: الزمان الحاضر وما يتصل به، ولم يرد يوماً معيناً. و{ يئس } فيه لغتان ييس بياءين يأساً، وأيس يأيس إياساً وإياسة. قاله النضر بن شميل، أي حصل لهم اليأس من إبطال دينكم، وأن يردوكم إلى دينهم، كما كانوا يزعمون { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } أي لا تخافوا منهم أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم { وَٱخْشَوْنِ } فأنا القادر على كل شيء، إن نصرتكم فلا غالب لكم، وإن خذلتكم لم يستطع غيري أن ينصركم.

قوله: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } جعلته كاملاً غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها وغلبته لها، ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال والحرام والمشتبه، ووفى ما تضمنه الكتاب والسنة من ذلك، ولا يخفى ما يستفاد من تقديم قوله: { لَكُمْ }. قال الجمهور: المراد بالإكمال هنا: نزول معظم الفرائض والتحليل والتحريم. قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية "الربا" وآية "الكلالة" ونحوهما. والمراد باليوم المذكور هنا: هو يوم الجمعة، وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب. وقيل: إنها نزلت في يوم الحجّ الأكبر.

قوله: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } بإكمال الدين المشتمل على الأحكام، وبفتح مكة وقهر الكفار، وإياسهم عن الظهور عليكم، كما وعدتكم بقولي: { وَلأِتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ } [البقرة: 150] قوله: { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً } أي أخبرتكم برضاي به لكم فإنه سبحانه لم يزل راضياً لأمة نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام فلا يكون لاختصاص الرضا بهذا اليوم كثير فائدة، إن حملناه على ظاهره، ويحتمل أن يريد رضيت لكم الإسلام الذي أنتم عليه اليوم { ديناً } باقياً إلى انقضاء أيام الدنيا. وديناً منتصب على التمييز، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً.

قوله: { فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ } هذا متصل بذكر المحرمات، وما بينهما اعتراض، أي من دعته الضرورة { فِى مَخْمَصَةٍ } أي مجاعة إلى أكل الميتة وما بعدها من المحرّمات. والخمص: ضمور البطن، ورجل خميص وخمصان، وامرأة خميصة وخمصانة، ومنه أخمص القدم، ويستعمل كثيراً في الجوع، قال الأعشى: "

تبيتون في المشتاء ملأى بطونكم وجاراتكم غرثى يبتن خمائصاً"

قوله: { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ } الجنف: الميل، والإثم: الحرام أي حال كون المضطرّ في مخمصة غير مائل لإثم، وهو بمعنى غير باغ ولا عاد، وكل مائل فهو متجانف وجنف. وقرأ النخعي ويحيـى بن وثاب والسلمي: «متجنف»، { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } به لا يؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة في الجوع مع عدم ميله بأكل ما حرّم عليه إلى الإثم، بأن يكون باغياً على غيره، أو متعدياً لما دعت إليه الضرورة حسبما تقدّم.

وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه، والحاكم وصححه عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله، وأعرض عليهم شعائر الإسلام، فبينما نحن كذلك، إذ جاءوا بقصعة دم واجتمعوا عليها يأكلونها، قالوا: هلم يا صدى، فكل، قلت: ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرّم هذا عليكم، لما أنزل الله عليه، قالوا: وما ذاك؟ قال: فتلوت عليهم هذه الآية: { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ }.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } قال: وما أهلّ للطواغيت به { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } قال: التي تخنق فتموت { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } قال: التي تضرب بالخشبة فتموت. { وَٱلْمُتَرَدّيَةُ } قال: التي تتردى من الجبل فتموت. { وَٱلنَّطِيحَةُ } قال: الشاة التي تنطح الشاة { وَمَا أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } يقول: ما أخذ السبع، { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } يقول: ذبحتم من ذلك، وبه روح فكلوه { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } قال: النصب: أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأزْلاَمِ } قال: هي القداح كانوا يستقسمون بها في الأمور. { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } يعني: من أكل ذلك كله فهو فسق. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الرداة التي تتردّى في البئر. والمتردية التي تتردى من الجبل.

وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأزْلاَمِ } قال: حصى بيض كانوا يضربون بها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال: كانوا إذا أرادوا أمراً أو سفراً يعمدون إلى قداح ثلاثة، يكتبون على واحد منها: أمرني، وعلى الآخر: نهاني، ويتركون الثالث مخللاً بينهما ليس عليه شيء ثم يجيلونها، فإن خرج الذي عليه: أمرني مضوا لأمرهم. وإن خرج الذي عليه: نهاني كفوا، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } قال: يئسوا أن يرجعوا إلى دينهم أبداً. وأخرج البيهقي عنه في الآية قال: يقول يئس أهل مكة أن يرجعوا إلى دينهم عبادة، الأوثان أبداً { فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } في اتباع محمد { وَٱخْشَوْنِ } في عبادة الأوثان وتكذيب محمد، فلما كان واقفاً بعرفات نزل عليه جبريل وهو رافع يديه والمسلمون يدعون الله { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يقول: حلالكم وحرامكم، فلم ينزل بعد هذا حلال ولا حرام { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى } قال: منتي، فلم يحج معكم مشرك { وَرَضِيتُ } يقول: اخترت { لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً } فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أحداً وثمانين يوماً، ثم قبضه الله إليه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال: أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه فلا ينقص أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن طارق بن شهاب قال: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرءون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وأيّ آية؟ قالوا: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } قال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم جمعة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } يعني: إلى ما حرّم مما سمي في صدر هذه السورة: { فِى مَخْمَصَةٍ } يعني: في مجاعة { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } يقول: غير متعمد لإثم.