خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٩٦
وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٩٧
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ
٩٨
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٩٩
-الأنعام

فتح القدير

.

قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } هذا شروع في تعداد عجائب صنعه تعالى، وذكر ما يعجز آلهتهم عن أدنى شيء منه، والفلق الشق: أي هو سبحانه فالق الحبّ فيخرج منه النبات، وفالق النوى فيخرج منه النوى فيخرج منه الشجر. وقيل: معنى: { فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } الشق الذي فيهما من أصل الخلقة. وقيل معنى { فَالِقُ } خالق، والنوى: جمع نواة يطلق على كل ما فيه عجم كالتمر والمشمش والخوخ.

قوله: { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } هذه الجملة خبر بعد خبر، فهي في محل رفع. وقيل: هي جملة مفسرة لما قبلها، لأن معناها معناه، والأول: أولى، فإن معنى { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } يخرج الحيوان من مثل النطفة والبيضة وهي ميتة. ومعنى: { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَىّ } مخرج النطفة والبيضة وهي ميتة من الحيّ، وجملة: { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَىّ } معطوفة على { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } عطف جملة اسمية على جملة فعلية، ولا ضير في ذلك. وقيل: معطوفة على (فالق) على تقدير أن جملة { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } مفسرة لما قبلها، والأوّل أولى، والإشارة بـ { ذلكم } إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقاً و{ ٱللَّهُ } خبره. والمعنى: أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكل كمال، والمفضل بكل إفضال، والمستحق لكل حمد وإجلال { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف تصرفون عن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته؟ قوله: { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } مرتفع على أنه من جملة أخبار «إنّ» في { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ }. وقيل: هو نعت للاسم الشريف في { ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ }، وقرأ الحسن، وعيسى بن عمر "فَالِقُ ٱلأَصْبَاحِ" بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بكسرها، وهو على قراءة الفتح جمع صبح، وعلى قراءة الكسر مصدر أصبح. والصبح والصباح: أوّل النهار، وكذا الإصباح، وقرأ النخعي "فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ" بفعل وهمزة مكسورة. والمعنى في { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } أنه شاق الضياء عن الظلام وكاشفه، أو يكون المعنى على حذف مضاف، أي فالق ظلمة الإصباح، وهي الغبش، أو فالق عمود الفجر عن بياض النهار، لأنه يبدو مختلطاً بالظلمة ثم يصير أبيض خالصاً. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر، وعاصم وحمزة، والكسائي { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } حملاً على معنى { فَالِقُ } عند حمزة والكسائي، وأما عند الحسن وعيسى فعطفاً على "فلق". وقرأ الجمهور، "وجاعل" عطفاً على { فالق }. وقرىء "فالق وجاعل" بنصبهما على المدح. وقرأ يعقوب «وجاعل الليل ساكناً». والسكن: محل السكون، من سكن إليه: إذ اطمأنّ إليه، لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة في معاشهم، ويستريحون من التعب والنصب.

قوله: { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } بالنصب على إضمار فعل، أي وجعل الشمس والقمر، وبالرفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره والشمس والقمر مجعولان حسباناً، وبالجرّ عطفاً على الليل على قراءة من قرأ "وجاعل الليل"، قال الأخفش: والحسبان جمع حساب مثل شهبان وشهاب. وقال يعقوب: حسبان مصدر حسبت الشيء أحسبه حساباً وحسباناً. والحساب: الاسم. وقيل الحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح، والحسبان بالكسر مصدر حسب. والمعنى: جعلهما محل حساب تتعلق به مصالح العباد وسيرهما على تقدير لا يزيد ولا ينقص ليدلّ عباده بذلك على عظيم قدرته وبديع صنعه. وقيل الحسبان: الضياء، وفي لغة أن الحسبان: النار، ومنه قوله تعالى: { وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ ٱلسَّمَاء } [الكهف: 40] والإشارة بـ{ ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } إلى الجعل المدلول عليه بجاعل، أو يجعل على القراءتين. والعزيز: القاهر الغالب. والعليم: كثير العلم، ومن جملة معلوماته تسييرهما على هذا التدبير المحكم.

قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْر } أي: خلقها للاهتداء بها { فِى ظُلُمَـٰتِ } الليل عند المسير في { ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } وإضافة الظلمات إلى البرّ، لكونها ملابسة لهما، أو المراد بالظلمات: اشتباه طرقهما التي لا يهتدى فيها إلا بالنجوم، وهذه إحدى منافع النجوم التي خلقها الله لها، ومنها ما ذكره الله في قوله: { وَحِفْظاً مّن كُلّ شَيْطَـٰنٍ مَّارِدٍ } [الصافات: 7]. { وَجَعَلْنَـٰهَا رُجُوماً لّلشَّيَـٰطِينِ } [الملك: 5]، ومنها جعلها زينة للسماء، ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ } التي بيناها بياناً مفصلاً لتكون أبلغ في الاعتبار { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } بما في هذه الآيات من الدلالة على قدرة الله وعظمته وبديع حكمته.

قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } أي آدم عليه السلام كما تقدّم. وهذا نوع آخر من بديع خلقه الدال على كمال قدرته { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج والنخعي بكسر القاف، والباقون بفتحها، وهما مرفوعان على أنهما مبتدآن وخبرهما محذوف، والتقدير: فمنكم مستقرّ أو فلكم مستقرّ، التقدير الأوّل على القراءة الأولى، والثاني على الثانية، أي فمنكم مستقرّ على ظهر الأرض، أو فلكم مستقرّ على ظهرها، ومنكم مستودع في الرحم، أو في باطن الأرض، أو في الصلب. وقيل المستقرّ في الرحم، والمستودع في الأرض. وقيل المستقرّ في القبر. قال القرطبي: وأكثر أهل التفسير يقولون المستقرّ ما كان في الرحم، والمستودع ما كان في الصلب. وقيل المستقرّ من خلق، والمستودع من لم يخلق. وقيل الاستيداع إشارة إلى كونهم في القبور إلى المبعث.

ومما يدل على تفسير المستقرّ بالكون على الأرض قول الله تعالى: { { وَلَكُمْ فِى ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } [البقرة: 36]، وذكر سبحانه هاهنا { يَفْقَهُونَ } وفيما قبله { يَعْلَمُونَ } لأن في إنشاء الأنفس من نفس واحدة وجعل بعضها مستقرّاً وبعضها مستودعاً من الغموض والدقة ما ليس في خلق النجوم للاهتداء، فناسبه ذكر الفقه لإشعاره بمزيد تدقيق وإمعان فكر.

قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء } هذا نوع آخر من عجائب مخلوقاته. والماء هو ماء المطر، وفي { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } التفات من الغيبة إلى التكلم، إظهاراً للعناية بشأن هذا المخلوق وما ترتب عليه، والضمير في "بِهِ" عائد إلى الماء، و{ نَبَاتَ كُلّ شَىْء } يعني كل صنف من أصناف النبات المختلفة. وقيل: المعنى رزق كل شيء، والتفسير الأوّل أولى. ثم فصل هذا الإجمال فقال: { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } قال الأخفش: أي أخضر. والخضر: رطب البقول، وهو ما يتشعب من الأغصان الخارجة من الحبة. وقيل: يريد القمح والشعير والذرة والأرز وسائر الحبوب { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً } هذه الجملة صفة لـ { خضر } أي نخرج من الأغصان الخضر حباً متراكباً أي مركباً بعضه على بعضه كما في السنابل { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ } خبر مقدّم، و{ مِن طَلْعِهَا } بدل منه، وعلى قراءة من قرأ "يخرج منه حب" يكون ارتفاع { قنوان } على أنه معطوف على حب، وأجاز الفراء في غير القرآن "قنواناً" عطفاً على { حباً }، وتميم يقولون قنيان. وقرىء بضم القاف وفتحها باعتبار اختلاف اللغتين لغة قيس ولغة أهل الحجاز. والطلع: الكفري قبل أن ينشق عن الإغريض، والإغريض يسمى طلعاً أيضاً. والقنوان: جمع قنو، والفرق بين جمعه وتثنيته أن المثنى مكسورة النون، والجمع على ما يقتضيه الاعراب، ومثله صنوان. والقنو: العذق. والمعنى: أن القنوان أصله من الطلع. والعذق: هو عنقود النخل، وقيل القنوان: الجمار. والدانية: القريبة التي ينالها القائم والقاعد. قال الزجاج: المعنى منها دانية ومنها بعيدة فحذف، ومثله: { { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] وخصّ الدانية بالذكر، لأن الغرض من الآية بيان القدر والامتنان، وذلك فيما يقرب تناوله أكثر.

قوله: { وَجَنَّـٰتٍ مّنْ أَعْنَـٰبٍ } قرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والأعمش، وعاصم في قراءته الصحيحة عنه برفع "جنات"، وقرأ الباقون بالنصب. وأنكر القراءة الأولى أبو عبيدة، وأبو حاتم، حتى قال أبو حاتم هي محال، لأن الجنات لا تكون من النخل. قال النحاس: ليس تأويل الرفع على هذا، ولكنه رفع بالابتداء، والخبر محذوف، أي ولهم جنات كما قرأ جماعة من القراء { وَحُورٌ عِينٌ } [الواقعة: 22] وقد أجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء، وأما على النصب فقيل: هو معطوف على { نَبَاتَ كُلّ شَىْء } أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب، أو النصب بفعل يقدّر متأخراً أي وجنات من أعناب أخرجناها، وهكذا القول في انتصاب الزيتون والرمان. وقيل: هما منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين، و{ مُشْتَبِهاً } منتصب على الحال، أي كل واحد منهما يشبه بعضه بعضاً في بعض أوصافه، ولا يشبه بعضه بعضاً في البعض الآخر، وقيل: إن أحدهما يشبه الآخر في الورق باعتبار اشتماله على جميع الغصن وباعتبار حجمه، ولا يشبه أحدهما الآخر في الطعم، وقيل خصّ الزيتون والرمان لقرب منابتهما من العرب كما في قول الله سبحانه: { { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [الغاشية: 17]، ثم أمرهم سبحانه بأن ينظروا نظر اعتبار إلى ثمره إذا أثمر، وإلى ينعه إذا أينع. والثمر في اللغة: جنى الشجر. واليانع: الناضج الذي قد أدرك وحان قطافه. قال ابن الأنباري: الينع جمع يانع، كركب وراكب. وقال الفراء: أينع احمرّ. قرأ حمزة والكسائي «ثمره» بضم الثاء والميم، وقرأ الباقون بفتحها، إلا الأعمش فإنه قرأ "ثمره" بضم الثاء، وسكون الميم تخفيفاً. وقرأ محمد بن السميفع، وابن محيصن، وابن أبي إسحاق «وينعه» بضم الياء التحتية. قال الفراء: هي لغة بعض أهل نجد. وقرأ الباقون بفتحها، والإشارة بقوله: { إِنَّ فِى ذٰلِكُمْ } إلى ما تقدّم ذكره مجملاً ومفصلاً { لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } بالله استدلالاً بما يشاهدونه من عجائب مخلوقاته التي قصها عليهم.

وقد أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } يقول: خلق الحب والنوى. وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة قال: يفلق الحبّ والنوى عن النبات. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد قال: الشقان اللذان فيهما. وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن أبي مالك نحوه. وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عنه في قوله: { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } قال: النخلة من النواة والسنبلة من الحبة { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَىّ } قال: النواة من النخلة والحبة من السنبلة. وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَىّ } قال: الناس الأحياء من النطف، والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء، ومن الأنعام والنبات كذلك أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي فكيف تكذبون. وأخرج أيضاً عن الحسن قال أنى تصرفون.

وأخرج أيضاً عن ابن عباس في { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } قال: خلق الليل والنهار. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه قال: يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } قال: إضاءة الفجر. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن قتادة في قوله: { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } قال: فالق الصبح. وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: { وَجَاعِلُ ٱلْلَّيْلَ سَكَنا } قال: سكن فيه كل طير ودابة. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } يعني عدد الأيام والشهور والسنين.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } قال: يضلّ الرجل، وهو في الظلمة والجور عن الطريق. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، والخطيب في كتاب النجوم، عن عمر بن الخطاب قال: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في برّكم وبحركم، ثم أمسكوا، فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة نحوه. وأخرج ابن مردويه، والخطيب، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البرّ والبحر ثم انتهوا"

وقد ورد في استحباب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث، منها عند الحاكم وصححه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبّ عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله" . وأخرج ابن شاهين والطبراني، والحاكم، والخطيب، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله، فذكر نحوه. وأخرج أحمد في الزهد، والخطيب، عن أبي الدرداء نحوه. وأخرج الخطيب في كتاب النجوم، عن أبي هريرة نحو حديثه الأوّل مرفوعاً. وأخرج الحاكم في تاريخه، والديلمي بسند ضعيف، عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله: التاجر الأمين، والإمام المقتصد، وراعي الشمس بالنهار" . وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال: «سبعة في ظلّ الله يوم لا ظلّ إلا ظله، فذكر منهم الرجل الذي يراعي الشمس لمواقيت الصلاة». فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله، والصلاة، لا لغير ذلك.

وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس، وأوّل صلاة الظهر زوالها، ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية، ووقت المغرب غروب الشمس، وورد في صلاة العشاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها لوقت مغيب القمر ليلة ثالث الشهر، وبها يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها. فمن راعى الشمس والقمر بهذه الأمور فهو الذي أراده، ومن راعاها لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد.

وهكذا النجوم، وورد النهي عن النظر فيها كما أخرجه ابن مردويه، والخطيب، عن عليّ قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم. وأخرج ابن مردويه، والمرهبي، والخطيب، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم. وأخرج الخطيب، عن عائشة مرفوعاً مثله. وأخرج الطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا" . وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، وابن مردويه، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لما عدا الاهتداء والتفكر والاعتبار. وما ورد في جواز النظر في النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار كما يدلّ عليه حديث ابن عمر السابق، وعليه يحمل ما روي عن عكرمة فيما أخرجه الخطيب عنه: أنه سأل رجلاً عن حساب النجوم، فجعل الرجل يتحرّج أن يخبره، فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته. وقد أخرج أبو داود، والخطيب، عن سمرة بن جندب، أنه خطب فذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أما بعد، فإن ناساً يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وإنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله يعتبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة" . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في كسوف الشمس والقمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بهما عباده"

وأخرج ابن مردويه، عن أبي أمامة مرفوعاً: "إن الله نصب آدم بين يديه، ثم ضرب كتفه اليسرى فخرجت ذريته من صلبه حتى ملئوا الأرض" فهذا الحديث هو معنى ما في الآية، { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ }. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } قال: المستقر ما كان في الرحم، والمستودع ما استودع في أصلاب الرجال والدواب. وفي لفظ: المستقر ما في الرحم، وعلى ظهر الأرض وبطنها مما هو حيّ ومما قد مات. وفي لفظ المستقرّ ما كان في الأرض، والمستودع ما كان في الصلب. وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن مسعود في الآية: قال مستقرّها في الدنيا ومستودعها في الآخرة. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، عن ابن مسعود قال: المستقرّ الرحم، والمستودع المكان الذي يموت فيه. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وقتادة في الآية قالا: مستقرّ في القبر، ومستودع في الدنيا، أوشك أن يلحق بصاحبه.

وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ في قوله: { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً } قال: هذا السنبل. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن البراء بن عازب { قِنْوٰنٌ دَانِيَةٌ } قال قريبة: وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس { قِنْوٰنٌ دَانِيَةٌ } قال: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض. وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه قنوان الكبائس، والدانية المنصوبة. وأخرج ابن أبي حاتم، عنه أيضاً في { قِنْوٰنٌ دَانِيَةٌ } قال: تهدل العذوق من الطلع. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة، في قوله { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } قال: متشابهاً ورقه مختلفاً ثمره. وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي، في قوله: { ٱنْظُرُواْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ } قال: رطبه وعنبه. وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن البراء { وَيَنْعِهِ } قال نضجه.