خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
٣٤
يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٣٥
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
٣٦
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ
٣٧
قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ
٣٨
وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ
٣٩
-الأعراف

فتح القدير

قوله: { وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ } أي وقت معين محدود ينزل فيه عذابهم من الله أو يميتهم فيه، ويجوز أن تحمل الآية على ما هو أعم من الأمرين جميعاً. والضمير في { أَجَلُهُمْ } لكل أمة أي إذا جاء أجل كل أمة من الأمم كان ما قدّره عليهم واقعاً في ذلك الأجل، لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه ساعة. قال أبو السعود ما معناه: إن قوله: { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } عطف على { يستأخرون } لكن "لا" لبيان انتفاء التقدّم، مع إمكانه في نفسه كالتأخر، بل للمبالغة في انتفاء التأخر بنظمه في سلك المستحيل عقلاً. وقيل المراد بالمجيء الدنوّ بحيث يمكن التقدّم في الجملة كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك. وقرأ ابن سيرين "آجالهم" بالجمع، وخصّ الساعة بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات. وقد استدل بالآية الجمهور على أن كل ميت يموت بأجله، وإن كان موته بالقتل أو التردي أو نحو ذلك، والبحث في ذلك طويل جدّاً، ومثل هذه الآية قوله تعالى: { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتأخِرُونَ } [الحجر: 5، المؤمنون:43]. قوله: { يَـٰبَنِى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ } الآية: "إن" هي الشرطية، و"ما" زائدة للتوكيد، ولهذا لزمت الفعل النون المؤكدة. والقصص قد تقدّم معناه، والمعنى: إن أتاكم رسل كائنون منكم يخبرونكم بأحكامي ويبينونها لكم، { فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ } أي اتقى معاصي الله، وأصلح حال نفسه باتباع الرسل وإجابتهم { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } وهذه الجملة الشرطية هي الجواب للشرط الأوّل. وقيل جوابه ما دلّ عليه الكلام، أي إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي، فأطيعوهم. والأوّل أولى، وبه قال الزجاج. { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } التي يقصها عليهم رسلنا { وَٱسْتَكْبَرُواْ } عن إجابتها، والعمل بما فيها { فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } لا يخرجون منها، بسبب كفرهم بتكذيب الآيات والرسل. { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِـئَايَـٰتِهِ } أي لا أحد أظلم منه. وقد تقدّم تحقيقه. والإشارة بقوله: { أُوْلَـٰئِكَ } إلى المكذبين المستكبرين { يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } أي مما كتب الله لهم من خير وشرّ. وقيل: ينالهم من العذاب بقدر كفرهم. وقيل: الكتاب هنا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيه. وقيل هو اللوح المحفوظ.

قوله: { حَتَّىٰ إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا } أي إلى غاية هي هذه. وجملة { يَتَوَفَّوْنَهُمْ } في محل نصب على الحال. والمراد بالرسل هنا: ملك الموت وأعوانه. وقيل: { حتى } هنا هي التي للابتداء. ولكن لا يخفى أن كونها لابتداء الكلام بعدها لا ينافي كونها غاية لما قبلها. والاستفهام في قوله { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } للتقريع والتوبيخ، أي أين الآلهة التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها؟ وجملة { قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا } استئنافية بتقدير سؤال وقعت هي جواباً عنه، أي ذهبوا عنا وغابوا فلا ندري أي هم؟ { وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ } أي أقرّوا بالكفر على أنفسهم.

قوله: { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم } القائل: هو الله عزّ وجلّ، «وفي» بمعنى "مع"، أي مع أمم. وقيل: هي على بابها. والمعنى: ادخلوا في جملتهم. وقيل: هو قول مالك خازن النار. والمراد بالأمم التي قد خلت من قبلهم من الجن والإنس: هم الكفار من الطائفتين من الأمم الماضية { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ } من الأمم الماضية { لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } أي الأمة الأخرى التي سبقتها إلى النار، وجعلت أختاً لها باعتبار الدين، أو الضلالة، أو الكون في النار { حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا } أي تداركوا. والتدارك: التلاحق والتتابع، والاجتماع في النار. وقرأ الأعمش «تداركوا» على الأصل من دون إدغام. وقرأ ابن مسعود "حَتَّىٰ إِذَا ادركوا" أي: أدرك بعضهم بعضاً. وروي عن أبي عمرو أنه قرأ بقطع ألف الوصل، فكأنه سكت على "إذا" للتذكر، فلما طال سكوته، قطع ألف الوصل كالمبتدىء بها. وهو مثل قول الشاعر:

يا نفس صبراً كل حيّ لاقى وكل اثنين إلى افتراق

{ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأولَـٰهُمْ } أي أخراهم دخولاً لأولاهم دخولاً. وقيل { أخراهم }: أي سفلتهم وأتباعهم { لأولَـٰهُمْ } لرؤسائهم وكبارهم. وهذا أولى كما يدل عليه { رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا } فإن المضلين هم الرؤساء. ويجوز أن يراد أنهم أضلوهم لأنهم تبعوهم واقتدوا بدينهم من بعدهم، فيصح الوجه الأوّل، لأن أخراهم تبعت دين أولاهم.

قوله: { فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّار } الضعف الزائد على مثله مرة أو مرات. ومثله قوله تعالى: { رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كبيرا } [الأحزاب: 68] وقيل: الضعف هنا الأفاعي والحيات، وجملة { قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ } استئنافية جواباً لسؤال مقدّر، والمعنى لكل طائفة منكم ضعف من العذاب، أي الطائفة الأولى والطائفة الأخرى { وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } بما لكل نوع من العذاب { وَقَالَتْ أُولَـٰهُمْ لأخْرَاهُمْ } أي قال السابقون للاحقين، أو المَّتَبعُونَ للتابعين { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } بل نحن سواء في الكفر بالله واستحقاق عذابه. { فَذُوقُواْ } عذاب النار، كما ذقناه { بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } من معاصي الله والكفر به.

وقد أخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والخطيب، وابن النجار، عن أبي الدرداء قال: تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا من وصل رحمه أنسىء في أجله فقال: "إنه ليس بزائد في عمره، قال الله تعالى: { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة، فيدعون الله من بعده، فيبلغه ذلك، فذلك الذي ينسأ في أجله" . وفي لفظ: "فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر" . وهذا الحديث ينبغي أن يكشف عن إسناده، ففيه نكارة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما بخلافه. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن أبي عروبة، قال: كان الحسن يقول: ما أحمق هؤلاء القوم يقولون اللهم أطل عمره، والله يقول: { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }. وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، من طريق الزهري، عن ابن المسيب قال: لما طعن عمر قال كعب: لو دعا الله لأخر في أجله، فقيل له: أليس قد قال الله: { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } فقال كعب: وقد قال الله: { { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } [فاطر: 11].

وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: { أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } قال: ما قدر لهم من خير وشرّ. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه، في الآية قال: من الأعمال، من عمل خيراً جزى به، ومن عمل شرّاً جزى به. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عنه، أيضاً قال: نصيبهم من الشقاوة والسعادة. وأخرج عبد ابن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في الآية قال: ما سبق من الكتاب. وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال: رزقه وأجله وعمله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن أبي صالح، في الآية قال: من العذاب. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: { قَدْ خَلَتْ } قال: قد مضت { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } قال: كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك، يلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس، تلعن الآخرة الأولى { حَتَّى إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ } الذين كانوا في آخر الزمان { لأولَـٰهُمْ } الذين شرعوا لهم ذلك الدين { رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَـئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ } الأولى والآخرة { وَقَالَتْ أُولَـٰهُمْ لأخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } وقد ضللتم كما ضللنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: { عَذَاباً ضِعْفاً } قال: مضاعفاً { قَالَ لِكُلّ ضِعْفٌ } قال: مضاعف، وفي قوله: { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } قال: تخفيف من العذاب.