خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١
فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ
٢
وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٣
-التوبة

فتح القدير

.

قوله: { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } برئت من الشيء أبرأ براءة، وأنا منه بريء: إذا أزلته عن نفسك، وقطعت سبب ما بينك وبينه، وبراءة مرتفعة على أنها خبر مبتدأ محذوف: أي هذه براءة، ويجوز أن ترتفع على الابتداء، لأنها نكرة موصوفة، والخبر { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ }. وقرأ عيسى بن عمر { براءة } بالنصب على تقدير: اسمعوا براءة، أو على تقدير: التزموا براءة، لأن فيها معنى الإغراء، و «من» في قوله: { مِنَ ٱللَّهِ } لابتداء الغاية متعلق بمحذوف وقع صفة، أي واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم. وقرأ روح وزيد بنصب { رسوله }، وقرأ الباقون بالرفع. والعهد: العقد الموثق باليمين. والخطاب في عاهدتم للمسلمين، وقد كانوا عاهدوا مشركي مكة وغيرهم بإذن من الله ومن الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعنى: الإخبار للمسلمين بأن الله ورسوله قد برئا من تلك المعاهدة بسبب ما وقع من الكفار من النقض، فصار النبذ إليهم بعهدهم واجباً على المعاهدين من المسلمين، ومعنى براءة الله سبحانه، وقوع الإذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين لعهد المشركين بعد وقوع النقض منهم، وفي ذلك من التفخيم لشأن البراءة والتهويل لها والتسجيل على المشركين بالذلّ والهوان ما لا يخفى.

قوله: { فَسِيحُواْ فِى ٱلأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } هذا أمر منه سبحانه بالسياحة بعد الإخبار بتلك البراءة، والسياحة: السير، يقال: ساح فلان في الأرض يسيح سياحة وسيوحاً وسيحاناً، ومنه سيح الماء في الأرض وسيح الخيل، ومنه قول طرفة بن العبد:

لو خفت هذا منك ما نلتني حتى ترى خيلاً أمامي تسيح

ومعنى الآية: أن الله سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم أباح للمشركين الضرب في الأرض والذهاب إلى حيث يريدون، والاستعداد للحرب هذه الأربعة الأشهر، وليس المراد من الأمر بالسياحة تكليفهم بها. قال محمد بن إسحاق وغيره: إن المشركين صنفان: صنف كانت مدة عهده أقلّ من أربعة أشهر، فأمهل تمام أربعة أشهر، والآخر كانت أكثر من ذلك فقصر على أربعة أشهر، ليرتاد لنفسه، وهو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيث يوجد، وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر، وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر، فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم، وذلك خمسون يوماً: عشرون من ذي الحجة وشهر محرم. وقال الكلبي: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد دون أربعة أشهر، ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر الله أن يتمّ له عهده بقوله: { فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } ورجح هذا ابن جرير، وغيره. وسيأتي في آخر البحث من الرواية ما يتضح به معنى الآية: { وَٱعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي: اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز، ولكن لمصلحة ليتوب من تاب، وفي ذلك ضرب من التهديد، كأنه قيل: افعلوا في هذه المدّة كل ما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات، فإنكم لا تفوتون الله وهو مخزيكم: أي مذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالعذاب، وفي وضع الظاهر موضع المضمر، إشارة إلى أن سبب هذا الإخزاء هو: الكفر، ويجوز أن يكون المراد: جنس الكافرين، فيدخل فيه المخاطبون دخولاً أوّلياً.

قوله: { وَأَذَانٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجّ ٱلأَكْبَرِ } ارتفاع أذان على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو على أنه مبتدأ وخبره ما بعده على ما تقدّم في ارتفاع براءة، والجملة هذه معطوفة على جملة { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وقال الزجاج: إن قوله { وأذان } معطوف على قوله { براءة }. واعترض عليه بأن الأمر لو كان كذلك لكن { أذان } مخبر عنه بالخبر الأوّل، وهو { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } وليس ذلك بصحيح. بل الخبر عنه هو { إِلَى ٱلنَّاسِ } والأذان بمعنى: الإيذان، وهو الإعلام، كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء. ومعنى قوله: { إِلَى ٱلنَّاسِ } التعميم في هذا: أي أنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون قوم، فهذه الجملة متضمنة للإخبار بوجوب الإعلام لجميع الناس، والجملة الأولى متضمنة للإخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة، و{ يَوْمَ ٱلْحَجّ } ظرف لقوله: { وأذان }، ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس، أو لكون معظم أفعال الحج فيه.

وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية، فذهب جمع، منهم: عليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن أبي أوفى، والمغيرة بن شعبة، ومجاهد، أنه: يوم النحر. ورجحه ابن جرير. وذهب آخرون منهم: عمر، وابن عباس، وطاوس، أنه: يوم عرفة. والأوّل: أرجح؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر. قوله: { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىء مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } قرىء بفتح "أن" على تقدير: بأن الله برىء من المشركين. فحذفت الباء تخفيفاً. وقرىء بكسرها؛ لأن في الإيذان معنى القول، وارتفاع { رسوله } على أنه معطوف على موضع اسم "أن"، أو على الضمير في { برىء }، أو على أنه مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: ورسوله بريء منهم. وقرأ الحسن وغيره { ورسوله } بالنصب عطفاً على لفظ اسم { أن }. وقرىء { ورسوله } بالجرّ على أن الواو للقسم، روى ذلك عن الحسن، وهي قراءة ضعيفة جداً، إذ لا معنى للقسم برسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا، مع ما ثبت من النهي عن الحلف بغير الله، وقيل: أنه مجرور على الجوار.

قوله: { فإن تبتم } أي: من الكفر، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، قيل: وفائدة هذا الالتفات زيادة التهديد، والضمير في قوله: { فَهُوَ } راجع إلى التوبة المفهومة من تبتم { خَيْرٌ لَّكُمْ } مما أنتم فيه من الكفر { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أي: أعرضتم عن التوبة، وبقيتم على الكفر { فَٱعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ } أي: غير فائتين عليه، بل هو مدرككم، فمجازيكم بأعمالكم. قوله: { وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } هذا تهكم بهم، وفيه من التهديد ما لا يخفى.

وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في قوله: { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } إلى أهل العهد خزاعة ومدلج، ومن كان له عهد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج، ثم قال: إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحبّ أن أحجّ حتى لا يكون ذلك، فأرسل أبا بكر وعلياً فطافا في الناس بذي المجاز، وبأمكنتهم التي كانوا يبيعون بها، أو بالموسم كله، فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر، وهي: الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات، عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا. وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل، في زوائد المسند، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن عليّ قال: لما نزلت عشر آيات من براءة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال: "لي أدرك أبا بكر، فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه، فاقرأه على أهل مكة" ، فلحقته فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر وقال: يا رسول الله، نزل فيّ شيء؟ قال "لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت، أو رجل منك" . وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وحسنه، وأبو الشيخ، وابن مردويه، من حديث أنس نحوه. وأخرج ابن مردويه، من حديث سعد بن أبي وقاص، نحوه أيضاً.

وأخرج أحمد، والنسائي، وابن المنذر، وابن مردويه، عن أبي هريرة، قال: كنت مع عليّ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فإن أجله وأمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر، فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحجّ هذا البيت بعد العام مشرك. وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: ألا يحجّ بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب، فأمره أن يؤذن ببراءة، فأذن علي في يوم النحر ببراءة: أن لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وأخرج الترمذي وحسنه، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبهيقي في الدلائل، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه علياً وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، فانطلقا فحجا، فقام عليّ في أيام التشريق فنادى: إن الله برىء من المشركين، ورسوله، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجنّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن؛ فكان عليّ ينادى، فإذا أعيا قام أبو بكر ينادي بها. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والترمذي وصححه، وابن المنذر، والنحاس، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، عن زيد بن تبيع قال: سألت علياً بأيّ شيء بعثت مع أبي بكر في الحج؟ قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة. ولا يطوف بالبيت عريان. ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامهم هذا. ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى مدّته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر.

وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الآية قال: حدّ الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا، وحدّ أجل من ليس له عهد انسلاخ الأربعة الأشهر الحرم من يوم النحر، إلى انسلاخ المحرّم خمسين ليلة. فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد، إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما سمي لهم من العهد والميثاق، وأذهب الشرط الأوّل { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } يعني: أهل مكة. وأخرج النحاس، عنه، نحو هذا، وقال: ولم يعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا أحداً. وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والنحاس، عن الزهري { فَسِيحُواْ فِى ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } قال: نزلت في شوّال فهي الأربعة أشهر: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرّم. وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد، في قوله: { وَأَذَانٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال: هو إعلام من الله ورسوله.

وأخرج الترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن عليّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحجّ الأكبر، فقال: يوم النحر. وأخرجه ابن أبي شيبة، والترمذي، وأبو الشيخ، عنه، من قوله. وأخرج أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن قرط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم الفرّ" وأخرج ابن مردويه، عن ابن أبي أوفى، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يوم الأضحى هذا يوم الحج الأكبر" وأخرج البخاري تعليقاً، وأبو داود، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال: "أيّ يوم" هذا؟ قالوا: يوم النحر، قال: "هذا يوم الحجّ الأكبر" . وأخرج البخاري ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن مردويه، عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر: يوم النحر، والحج الأكبر: الحجّ؛ وإنما قيل الأكبر: من أجل قول الناس الحجّ الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحجّ عام حجة الوداع التي حجّ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مشرك، وأنزل الله في العالم الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة: 28] الآية.

وأخرج الطبراني، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال زمن الفتح: "إن هذا عام الحج الأكبر، قال: اجتمع حجّ المسلمين وحجّ المشركين في ثلاثة أيام متتابعات، واجتمع النصارى واليهود في ثلاثة أيام متتابعات؛ فاجتمع حجّ المسلمين والمشركين والنصارى واليهود في ستة أيام متتابعات، ولم يجتمع منذ خلق السموات والأرض كذلك قبل العام، ولا يجتمع بعد العام حتى تقوم الساعة" وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحسن، أنه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال: مالكم وللحج الأكبر؟ ذاك عام حجّ فيه أبو بكر، استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج بالناس، واجتمع فيه المسلمون والمشركون، فلذلك سمي الحج الأكبر، ووافق عيد اليهود والنصارى. وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيب، قال: الحجّ الأكبر: اليوم الثاني من يوم النحر، ألم تر أن الإمام يخطب فيه. وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن المسور بن مخرمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم عرفة: "هذا يوم الحجّ الأكبر" وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عمر بن الخطاب، قال: الحج الأكبر يوم عرفة. وأخرج ابن جرير، عن أبي الصهباء البكري قال: سألت عليّ بن أبي طالب عن يوم الحج الأكبر فقال: يوم عرفة. وأخرج أبو عبيدة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، قال: إن يوم عرفة يوم الحج الأكبر. وأخرج ابن جرير عن الزبير نحوه.

ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة في كون يوم النحر: هو يوم الحج الأكبر، هي ثابتة في الصحيحين، وغيرهم من طرق، فلا تقوى لمعارضتها هذه الروايات المصرّحة بأنه يوم عرفة. وأخرج ابن أبي شيبة، عن الشعبي، أنه سئل: هذا الحج الأكبر، فما الحج الأصغر؟ قال: عمرة في رمضان. وأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن إسحاق، قال: سألت عبد الله بن شدّاد عن الحج الأكبر فقال: الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأصغر: العمرة. وأخرج ابن أبي شيبة، عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد ابن مسعود، قال: سئل سفيان بن عيينة عن البشارة تكون في المكروه فقال: ألم تسمع قوله: { وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }.