خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٧
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨
إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ
١٩
هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٢٠
-الجاثية

أيسر التفاسير

شرح الكلمات:
الكتاب: أي التوراة لأنها الحاوية للأحكام الشرعية بخلاف الزبور والإنجيل.
والحكم: أي الفصل في القضايا بين المتنازعين على الوجه الذي يحقق العدل.
والنبوة ورزقناهم من الطيبات: أي جعلنا فيهم النبوة كنبوة موسى وهارون وداود وسليمان، ورزقهم من الطيبات كالمنّ والسلوى وغيرهما.
وفضلناهم على العالمين: أي على عالمي زمانهم من الأمم المعاصرة لهم.
إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم: أي لم يختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بغيا بينهم أي حسداً للعرب أولاد إسماعيل أن تكون النبوة فيهم.
ثم جعلناك على شريعة من الأمر: أي ثم جعلناك يا رسولنا على شريعة من أمر الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده.
فاتبعها: أي الزم الأخذ بها والسير على طريقها فأنها تفضي بك إلى سعادة الدارين.
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون: من مشركي العرب ومن ضلال أهل الكتاب.
إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً: أي إنْ أنت تركت ما شرع لك واتبعت ما يقترحون عليك أن تفعله مما يوافق أهواءهم إنك إن اتبعتهم لن يدفعوا عنك من العذاب الدنيوي والآخروي شيئاً.
وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض: أي ينصر بعضهم بعضا في الدنيا أما في الآخرة فإنهم لا ينصرون.
والله ولي المتقين: أي متوليهم في أمورهم كلها وناصرهم على أعدائهم.
هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون: أي هذا القرآن أي أنوار هداية يهتدون به إلى ما يكملهم ويسعدهم، وهدى ورحمة، ولكن لأهل اليقين في إيمانهم فهم الذين يهتدون به ويرحمون عليه أما غير الموقنين فلا يرون هداه ولا يجدون رحمته لأن شكهم وعدم إيقانهم يتعذر معهما أن يعملوا به في جد وصدق وإخلاص.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية قوم النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليهم حالاً شبيهة بحالهم لعلهم يجدون فيها ما يذكرهم ويعظهم فيؤمنوا ويوحدوا قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي أعطينا بني إسرائيل وهم أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل وهو ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن آتيناهم { ٱلْكِتَابَ } التوراة { وَٱلْحُكْمَ } وهو الفقه بأحكام الشرع والإصابة في العمل والحق فيها ثمرة إيمانهم وتقواهم { وَٱلنُّبُوَّةَ } فجعلنا منهم أنبياء ورسلاً كموسى وهارون ويوسف وداود وسليمان وعيسى، وفضلناهم على العالمين أي على فرعون وقومه من الأقباط، وعلى من جاور بلادهم من الناس، وذلك أيام إيمانهم واستقامتهم، وآتيناهم بينات من الأمر أمر الدين تحملها التوراة والإنجيل { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } الإلهي يحمله القرآن ونبيه فاختلفوا فيما كان عندهم من الأنباء عن نبيّ آخر الزمان ونعوته وما سيورثه الله وأمته من الكمال الدنيوي والآخروي فحملهم بغي حدث بينهم وهو الحسد على الكفر فكفروا به وكذبوه فهذه الآية نظيرها آية البقرة:
{ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [الآية: 89] وكقوله في سورة البينة { { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } [الآية: 1-2] وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة، ومن جهة أخرى إعلام منه تعالى بأنه سبحكم بينهم ويفصل ويؤدى كل واحد ثمرة كسبه من خير وشر في هذه الحياة وذلك يوم القيامة.
وقوله: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي من أمر ديننا الإسلام الذي هو دين الأنبياء من قبلك فلم تختلف شريعتك في أصولها على شرائعهم، وعليه فاتبعها ولاتَحِدْ عنها متبعا أهواء الذين لا يعلمون من زعماء قريش الذين يقدمون لك اقتراحاتهم من الوقت إلى الوقت ولا أهواء ضلال أهل الكتابين من اليهود والنصارى إنهم جهال لا يعلمون هدى الله، ولا ما هو سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة في الآخرة، ولا هو سبيل العزة والكرامة والدولة والقوة في الدنيا.
وقوله: { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي إنَّك إِنْ اتبعت أهواءهم واستوجبت العذاب لن يدفعوا عنك ولن يكفوك شيئا منه، وقوله: { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } أي في الدنيا فيتعاونون على الباطل والشر أما في الآخرة فلا ينصر بعضهم بعضا ولا هم ينصرون من قبل أحد والله ولي المتقين، أما المتقون فالله وليهم في الدنيا والآخرة، فعليك بولاية الله، ودع ولاية أعدائه، فإنها لن تغني عنك شيئاً.
وقوله تعالى: { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ } يريد القرآن الكريم إنه عيون القلوب بها تبصر النافع من الضار والحق من الباطل فمن آمن به وعمل بما فيه اهتدى إلى سعادته وكماله ومن لم يؤمن به ولم يعمل بما فيه ضل وشقى. وقوله { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي أن القرآن الكريم كتاب هداية ورحمة عليه يهتدي المهتدون، ويرحم المرحومون وهم الذين أيقنوا بهدايته ورحمته فعملوا به عقائد وعبادات وأحكاماً وآداباً وأخلاقاً فحصل لهم ذلك كما حصل للسلف الصالح من هذه الأمة، وما زال القرآن كتاب هداية ورحمة لكل من آمن به وأيقن فعمل وطبق بجد وصدق أحكامه وشرائعه وآدابه وأخلاقه التي جاء بها وقد كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لقول عائشة رضي الله عنها في الصحيح كان خلقه القرآن.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- بيان أن كفر أهل الكتاب كان حسداً للنبي صلى الله عليه وسلم وقومه من العرب.
2- بيان إفضال الله تعالى على بني إسرائيل حيث أعطاهم الكتاب والحكم والنبوة. ومع هذا اختلفوا في الحق حسداً وطمعاً في الرئاسة وإقامة مملكة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات.
3- تقرير البعث والجزاء والنبوة والتوحيد.
4- وجوب لزوم تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم التنازل عن شيء منها.
5- تقرير ولاية الله تعالى لأهل الإيمان به وتقواه بفعل محابه وترك مساخطه.
6- بيان أن القرآن كتاب هداية وإصلاح، ولا يتم شيء من هداية الناس وإصلاحهم إلا عليه.