أي: { وَآيَةٌ لَهُمُ } على نفوذ مشيئة اللّه، وكمال قدرته، وإحيائه الموتى بعد موتهم. { اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ } أي: نزيل الضياء العظيم الذي طبق الأرض، فنبدله بالظلمة، ونحلها محله { فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } وكذلك نزيل هذه الظلمة، التي عمتهم وشملتهم، فتطلع الشمس، فتضيء الأقطار، وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم، ولهذا قال: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } [أي: دائما تجري لمستقر لها] قدره اللّه لها، لا تتعداه، ولا تقصر عنه، وليس لها تصرف في نفسها، ولا استعصاء على قدرة اللّه تعالى. { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ } الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة، بأكمل تدبير، وأحسن نظام. { الْعَلِيم } الذي بعلمه، جعلها مصالح لعباده، ومنافع في دينهم ودنياهم.
{ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } ينزل بها، كل ليلة ينزل منها واحدة، { حَتَّى } يصغر جدا، فيعود { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } أي: عرجون النخلة، الذي من قدمه نش وصغر حجمه وانحنى، ثم بعد ذلك، ما زال يزيد شيئا فشيئا، حتى يتم [نوره] ويتسق ضياؤه.
{ وَكُلٌّ } من الشمس والقمر، والليل والنهار، قدره [اللّه] تقديرا لا يتعداه، وكل له سلطان ووقت، إذا وجد عدم الآخر، ولهذا قال: { لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ } أي: في سلطانه الذي هو الليل، فلا يمكن أن توجد الشمس في الليل، { وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ } فيدخل عليه قبل انقضاء سلطانه، { وَكُلٌّ } من الشمس والقمر والنجوم { فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } أي: يترددون على الدوام، فكل هذا دليل ظاهر، وبرهان باهر، على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه، خصوصا وصف القدرة والحكمة والعلم في هذا الموضع.