خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ
٨٢
فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ
٨٣
فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٤
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ
٨٥
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ
٨٦
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ
٨٧
-الحجر

محاسن التأويل

{ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } أي: من حوادث الدهر { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } أي: وقت الصباح من اليوم الرابع. وفي سورة الأعراف: { { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَة } [الأعراف: 78] أي: الزلزلة، وهي من توابع الصيحة. أو هي مجاز عنها.
{ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي: ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التي ضنوا بمائها عن الناقة، حتى عقروها؛ لئلا تضيق في المياه، فما دفعت عنهم تلك الأموال لما جاء أمره تعالى. { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ } أي: إلا خلقاً متلبساً بالحق والحكمة الثابتة، التي لا تقبل التغير. وهي الاستدلال بها على الصانع وصفاته وأسمائه وأفعاله ليعرفوه فيعبدوه، بحيث لا يلائم استمرار الفساد. ولذلك اقتضت الحكمة إرسال الرسل مبشرين ومنذرين: { وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ } أي: فيجزي كلاً بما كانوا يعملون: { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } أي: عاملهم معاملة الصفوح الحكيم، كقوله:
{ { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 89].
وقوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ } تقرير للمعاد، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة. فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء، العليم بما تمزَّق من الأجساد وتفرَّق في سائر أقطار الأرض، كقوله تعالى:
{ { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } [يس: 81].
{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } قال الرازي: إنه تعالى لما صبَّره على أذى قومه وأمره بأن يصفح الصفح الجميل؛ أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خصه بها؛ لأن الإنسان إذا تذكر نعم الله عليه، سهل عليه الصفح والتجاوز. ( والسبع المثاني ) هو القرآن كله كما قاله ابن العباس في رواية طاوس؛ لقوله تعالى:
{ { كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ } [الزمر: 23]، والواو في قوله: { وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } لعطف الصفة، كقول الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم

و ( السبع ): يراد بها الكثرة في الآحاد، كالسبعين في العشرات. و ( المثاني ) جمع مثنى بمعنى التثنية أو الثناء، فإنه تكرر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه. أو مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز. أو مثنى على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى.
وقد روي عن بعض السلف تفسير السبع بالسور الطوال الأول، وهذا لم يقصد به، إلا أن اللفظ الكريم يتناولها، لا أنها هي المعنية. كيف لا وهذه السورة مكية وتلك مدنيات؟ كالقول بأنها الفاتحة سواء. وأما حديث:
" الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " عند الشيخين؛ فمعناه أنها من السبع، لعطف قوله: " والقرآن العظيم الذي أوتيته " ولو كان القصر على بابه، لناقضه لمعطوف؛ لاقتضائه أنها هو لا غيره. وبداهة بطلانه لا تخفى.
وسر الإخبار بأنها السبع، كون الفاتحة مشتملة على مجمل ما في القرآن. وكل ما فيه تفصيل للأصول التي وضعت فيها، كما بينه الإمام مفتي مصر في " تفسير الفاتحة " فراجعه. هذا ما ظهر لي الآن في تحقيق الآية.
وللأثري الواقف مع ظاهر ما صح من الأخبار، الجازم بأن السبع في الآية هي الفاتحة لظاهر الحديث، أن يجيب عن القصر بأن المراد بالمعطوف القرآن بمعنى المقروء، لا بمعنى الكتاب كله. والله أعلم.