خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
١٤٢
-البقرة

محاسن التأويل

{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } روى البخاريّ في صحيحه عن البراء رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها، صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه فمرّ على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت.
وروى مسلم: عن البراء رضي الله عنه نحو ما تقدم ولفظه: صلينا مع رسول. الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم صرفنا نحو الكعبة.
وروى الشيخان ابن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن. وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوهم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. اللفظ لمسلم.
والأحاديث في تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة متوافرة، وفيما ذكرنا كفاية.
وقد أعلم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن فريقاً من الناس سينكرون تغيير القبلة وسماهم سفهاء، جمع سفيه، وهو الخفيف الحلم والأحمق والجاهل. قال أبو السعود: أي: الذين خفّت أحلامهم واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن التدبر والنظر. انتهى.
ومعنى قوله: { مَا وَلَّاهُمْ } أي: أي: شيء صرفهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، أي: ثابتين على التوجه إليها، وهي بيت المقدس. ومدار الإنكار، إن كان القائلون هم اليهود، كراهتهم للتحويل عنها لأنها قبلتهم، وإن كان غيرهم، فمجرد القصد إلى الطعن في الدين والقدح في أحكامه. وقد روي عن ابن عباس: أن القائلين هم اليهود، وعن الحسن أنهم مشركو العرب. وعن السدي أنهم المنافقون.
قال الراغب: ولا تنافي بين أقوالهم فكل قد عابوا، وكلٌّ سفهاء.
تنبيه
ظاهر قوله تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاء } الخ، أنه إخبار بقولهم المذكور، ثم إن الإخبار قبل وقوعه، وفائدته توطين النفس وإعداد ما يبكتهم، فإن مفاجأة المكروه على النفس أشق وأشد، والجواب العتيد الشغب الخصم الألد أردّ، مع ما فيه من دلائل النبوة حيث يكون إخباراً عن غيب، فيكون معجزاً: { قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } جواب عن شبهتهم، وتقريره أن الجهات كلها لله ملكاً، فلا يستحق شيء منها لذاته أن يكون قبلة. بل إنما تصير قبلة لأن الله تعالى جعلها قبلة، فلا اعتراض عليه بالتحويل من جهة إلى أخرى، وما أمر به فهو الحق: { يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } فيه تعظيم أهل الإسلام وإظهار عنايته تعالى بهم، وتفخيم شأن الكعبة. كما فخمه بإضافته إليه في قوله تعالى:
{ { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } [ الحج: 26 ].