خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ
١٠
إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
١٢
-النمل

محاسن التأويل

{ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وفي إيثار هذه الأسماء الجليلة سرّ بديع. وهو الإشارة الجُمْلية إلى روح إرساله عليه السلام. أي: أنا الله لا تلك المعبودات التي عكف عليها قوم فرعون، العزيز الغالب القاهر لكل عات متمرد، الحكيم في البعثة والإرسال، والتفضل والإفضال. ثم أمره تعالى أن يلقي عصاه من يده ليريه دليلاً واضحاً على أنه القادر على كل شيء، بقوله: { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } هو ضرب من الحيات، أسرعه حركة وأكثره اضطراباً: { وَلَّى } أي: من الخوف: { مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي: لم يرجع على عقبه من شدة خوفه: { يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } أي: لحفظي لهم وعنايتي بهم وعصمتي إياهم مما يؤذيهم. وفيه تبشير له باصطفائه بالرسالة والنبوة. وتشجيع له بنزع الخوف. إذ لا يتمكن من أداء الرسالة، ما لم يزل خوفه من المرسل إليه. وقوله تعالى: { إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } استثناء منقطع. استدرك به ما عسى يختلج في الخلد من نفي الخوف عن كلهم. مع أن منهم من فرطت منه صغيرة ما، مما يجوز صدوره عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. فإنهم وإن صدر عنهم شيء من ذلك، فقد فعلوا عقيبه ما يبطله، ويستحقون به من الله تعالى مغفرة ورحمة. وقد قصد به التعريض بما وقع من موسى عليه الصلاة والسلام، من وكزه القبطيّ والاستغفار. قاله أبو السعود. وسبقه الزمخشري حيث قال: يوشك أن يقصد بهذا، التعريض بما وجد من موسى. وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها، وسماه ظلماً كما قال موسى: { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } ثم أشار تعالى إلى آية خارقة غير العصا، آتاه إياها، بقوله: { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } أي: آفة كبرص: { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } أي: غيرها تؤتاها، إذا جحد فرعون رسالتك. وهي ضرب ماء النهر بالعصا فينقلب دماً. وإصعاد الضفادع على أرض مصر. وضرب التراب فتمتلئ الأرض قملاً. وإرسال الجراد عليهم. والوباء الشديد. وإصابة أجسادهم بالقروح والدمامل والبثور. وإهلاك حصادهم بالبرد الشديد. وتغشيتهم بظلام كثيف، على ما روي، وفي: { تِسْعِ } أوجه: أحدها أنها حال ثالثة. أي: تخرج آية في تسع آيات. والثاني أنها متعلقة بمحذوف، أي: اذهب في تسع. والثالث أن يتعلق بقوله: { وأَلْقَ عَصَاكَ }: { وَأَدْخِلْ يَدَكَ } أي: في جملة تسع آيات. وفي بمعنى: مع: { إِلَى فِرْعَوْنَ } أي: مرسلاً بها إلى فرعون: { وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ } أي: خارجين عن الحدود، في الكفر والعدوان. وهذا تعليل للإرسال.