خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٥
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٦
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٢٧
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ
٢٨
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٢٩
-العنكبوت

محاسن التأويل

{ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي: لتتوادّوا بينكم وتتواصلوا، لاجتماعكم على عبادتها: { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي تتجاحدون ما كان بينكم، ويلعن الأتباعُ المتبوعين، والمتبوعون الأتباعَ. كما قال تعالى: { { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف: 38]، وقال تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67]، { وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }.
تنبيه:
قال السمين: في ما من قوله تعالى: { إِنَّمَا اتَّخَذْتُم } ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف، وهو المفعول الأول و: { أَوْثَاناً } مفعول ثان. والخبر مودة في قراءة من رفع. والتقدير: إن الذي اتخذتموه أوثاناً مودة، أي: ذو مودة، أو جعل نفس المودة مبالغة. ومحذوف على قراءة من نصب مودة أي: الذي اتخذتموه أوثاناً لأجل المودة لا ينفعكم، أو يكون عليكم، لدلالة قوله: { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ }.
والثاني: أن تجعل ما كافة، وأوثاناً مفعول به. والاتخاذ هاهنا متعد لواحد. أو لاثنين، والثاني هو "من دون الله" فمن رفع مودة كانت خبر مبتدأ مضمر، أي: هي مودة أي: ذات مودة. أو جعلت نفس المودة مبالغة. والجملة حينئذ صفة لأوثاناً أو مستأنفة. ومن نصب كان مفعولاً له، أو بإضمار أعني.
الثالث: أن تجعل ما مصدرية، وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول. أي: أن سبب اتخاذكم أوثاناً مودة , فيمن رفع مودة ويجوز أن لا يقدر، بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة. ومن القراء من رفع مودة غير منونة وجرّ بينكم ومنهم من نصب مودة منوّنة ونصب بينكم ومنهم من نصب مودة منونة وجرّ بينكم. فالرفع تقدم. و النصب تقدم أيضاً فيه وجهان. وجوّز ثالث، وهو أن يجعل مفعولاً ثانياً عن المبالغة والإضافة، للاتساع في الظرف.
ونقل عن عاصم أنه رفع مودة غير منونة ونصب بينكم وخرجت على إضافة مودة للظرف. وإنما بني لإضافته إلى غير متمكن. وأشار العلامة القاشاني إلى جواز أن يكون قوله تعالى: { فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } خبراً لما إن كانت اسمية. وهو وجه لم يتعرض له المعْرِبُون هنا، ولا مانع منه. وعبارته:
إنما اتخذتم من دون الله، شيئاً عبدتموه مودوداً فيما بينكم في الحياة الدنيا أو: إن كل ما اتخذتم من دون الله، شيئاً مودوداً فيما بينكم في الحياة الدنيا، أو: إن كل ما اتخذتم أوثاناً مودود في هذه الحياة الدنيا. أو لمودة بينكم في هذه، على القراءتين.
ثم قال: والمعنى أن المودة قسمان: مودة دنيوية، ومودة أخروية. والدنيوية منشؤها النفس، والأخروية منشؤها الروح. فكل ما يحب ويودّ من دون الله، لا لله ولا بمحبة الله، فهو محبوب بالمودة النفسية. وهو هوى زائل، كلما انقطعت الوصلة البدينة زالت ولم تصل إلى إحدى القيامات، فإنها نشأت من تركيب البدن واعتدال المزاج. فإذا انحلّ التركيب وانحرف المزاج، تلاشت وبقي التضادّ والتعاند، بمقتضى الطبائع، لقوله تعالى: { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } الآية. ولهذا شبهها ببيت العنكبوت في الوهن.
وأما الأخروية فمنشؤها المحبة الإلهية. وتلك المودة هي التي تكون بين الأصفياء والأولياء، لتناسب الصفات، وتجانس الذوات، لا تتصفى غاية الصفاء إلا عند زوال التركيب. فيصير يوم القيامة محبة صرفة الهيئة، بخلاف تلك. انتهى. { فَآمَنَ لَهُ } أي: صدق إبراهيم فيما دعاه إليه: { لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ } أي: من أرض قومي: { إِلَى رَبِّي } أي: لا إلى غيره بل إلى عبادته وإقامة شعائر دينه والقيام بدعوة الخلق إلى الحق من شرعه وتوحيده: { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَوَهَبْنَا لَهُ } أي: لإبراهيم: { إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } أي: ولداً ونافلة، بمباركة الذرية: { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا } أي: بإيتاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماء أهل الملك إليه والثناء إلى آخر الدهر والصلاة عليه: { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ } أي: الفعلة المتناهية في القبح: { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } أي: لتحاشي الطباع عنها. ثم فصّلها بعد الإجمال، لزيادة تنفير النفوس منها: { أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ } أي: سبيل النسل بإتيان ما ليس بحرث. أو بعمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال: { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ } أي: ما لا يليق من الأقوال والأفعال: { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }.