خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

محاسن التأويل

{ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ } أي: في كل شيء من أمور الدين والدنيا، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه، ويجعلوها فداءه إذا أعضل خَطْبٌ، ووقاءه إذا لقحت حربٌ، وأن لا يتبعوا ما تدعوهم إليه نفوسهم، ولا ما تصرفهم عنه، ويتبعوا كلَّ ما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرفهم عنه؛ لأن كل ما دعا إليه فهو إرشاد لهم إلى نيل النجاة , والظفر بسعادة الدارين، وما صرفهم عنه، فأخذ بحجزهم لئلا يتهافتوا فيما يرمي بهم إلى الشقاوة وعذاب النار. أفاده الزمخشري.
وهذا كما قال تعالى:
{ { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء: 65]، وفي "الصحيح": "والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، وماله، وولده، والناس أجمعين" : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي: في وجوب تعظيمهن واحترامهن، وتحريم نكاحهن، وفيما عدا ذلك كالأجنبيات؛ ولذا قال ابن كثير: ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع، وإن سمى بعض العلماء بناتهن، أخوات المؤمنين، كما هو منصوص الشافعي رضي الله عنه في "المختصر" وهو من باب إطلاق العبارة، لا إثبات الحكم، وهل يقال لمعاوية وأمثاله، خال المؤمنين؟ فيه قولان: وعن الشافعي أنه يقال ذلك. وهل يقال له صلى الله عليه وسلم: أبو المؤمنين؟ فيه قولان: فصح عن عائشة المنع، وهو أصح الوجهين للشافعية لقوله تعالى: { { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } [الأحزاب: 40]، وروي عن أُبيّ بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما، أنهما قرآ: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وأزواجه أمهاتهم، وهو أبٌ لهم. وروي نحو هذا عن معاوية ومجاهد وعكرمة والحسن، واستأنسوا عليه بالحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد، أعلمكم. فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة , ولا يستدبرها , ولا يستطيب بيمينه" . أفاده ابن كثير.
{ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ } أي: ذوو القرابات: { بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } أي: فيما فرضه، أو فيما أوحاه إلى نبيّه عليه السلام: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } بيان لأولي الأرحام، أو صلة لـ: { أَوْلَى }: { إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم } أي: إخوانكم المؤمنين والمهاجرين غير الرحم: { مَّعْرُوفاً } أي: من صدقة ومواساة وهدية ووصية؛ فإن بسط اليد في المعروف مما حث الله عباده عليه، ويشارك فيه مع ذوي القربى وغيرهم.
تنبيه:
قال في "الإكليل": استدل بقوله تعالى: { وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ } الآية، مَن ورّث ذوي الأرحام. انتهى.
وهو استدلال متين، وليس مع المخالف ما يقاومه، بل فهم كثيرون أن المعنيّ بها، أن القرابات أولى بالتوارث من المهاجرين والأنصار، وأنها ناسخة لما كان قبلها من التوارث بالحلف والمؤاخاة، التي كانت بينهم، ذهاباً إلى ما روي عن الزبير وابن عباس: أن المهاجري كان يرث الأنصاري، دون قراباته وذوي رحمه، للأخوة التي آخى بينهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله الآية. فرجعنا إلى مواريثنا.
إلا أن الاستدلال بذلك هو من عموم الأولوية، لا أنها خاصة بالمدعي فيها، كما أسلفنا بيانه مراراً: { كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً } أي: في القرآن، أو في قضائه وحكمه، وما كتبه وفرضه، مقرراً لا يعتريه تبديل ولا تغيير.