خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
٢٨
-فاطر

محاسن التأويل

{ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ } أي: اختلافاً كذلك، أي: كاختلاف الثمرات والجبال. وقوله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } تكملة لقوله تعالى: { { إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ } [فاطر: 18]، بتعيين من يخشاه عز وجل من الناس، بعد بيان اختلاف طبقاتهم، وتباين مراتبهم، أما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل , وأما في الأوصاف الصورية فبطريق التصريح، توفية لكل واحدة منهما حقها اللائق بها من البيان؛ أي: إنما يخشاه تعالى بالغيب، العالمون به عز وجل، وبما يليق به من صفاته الجليلية , وأفعاله الجميلة؛ لما أن مدار الخشية معرفة المخشي والعلم بشؤونه، فمن كان أعلم به تعالى، كان أخشى منه عز وجل. كما قال عليه الصلاة والسلام: "أنا أخشاكم لله وأتقاكم له" . ولذلك عقب بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته، وحيث كان الكفرة بمعزل من هذه المعرفة، امتنع إنذارهم بالكلية. أفاده أبو السعود.
وقال القاشاني: أي: ما يخشى الله إلا العلماء العرفاء به؛ لأن الخشية ليست هي خوف العقاب، بل هيئة في القلب خشوعية انكسارية عند تصوّر وصف العظمة، واستحضاره لها، فمن لم يتصوّر عظمته لم يمكنه خشيته، ومن تجلى الله له بعظمته، خشيه حق خشيته، وبين الحضور التصوّري الحاصل للعالم غير العارف, وبين التجلي الثابت للعالم العارف - بون بعيد - ومراتب الخشية لا تحصى بحسب مراتب العلم والعرفان. انتهى.
ويذكر بعض المفسرين هنا القراءة الشاذة. رفع الاسم الجليل ونصب العلماء، ويتأولون الخشية بالتعظيم استعارة، وربما استشهدوا بقوله:

أَهَاْبُكَ إِجْلَاْلاً وَمَا بِكَ قُدْرَةٌ عَلَيَّ وَلَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيْبُهَا

وقد طعن في "النشر" في هذه القراءة، والحق له؛ لمنافاتها للسياق والسباق، وما أغنى المنقحين عن تسويد الصحف بمثل هذه الشواذ! وبالله التوفيق. { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } أي: غالب على كل شيء بعظمته [في المطبوع: بعطمته]، غفور لمن تاب وأناب وعمل صالحاً.