خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً
٥٢
-النساء

محاسن التأويل

{ أُوْلَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ } أي: أبعدهم عن رحمته وطردهم. { وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ } أي: يبعده عن رحمته. { فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } يدفع عنه العذاب دنيوياً كان أو أخروياً، لا بشفاعة ولا بغيرها.
قال الرازيّ: إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عَبْدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يجري مجرى المكابرة، فمن يعبد غير الله كيف يكون أفضل حالاً ممن لا يرضى بمعبود غير الله؟ ومن كان دينه الإقبال بالكلية على خدمة الخالق والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة كيف يكون أقل حالاً ممن كان بالضد في كل هذه الأحوال؟ وقد روى الإمام أحمد عن عِكْرِمَة عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية، قال: أنتم خير، قال فنزلت فيهم: { إِنّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } [ الكوثر: 3 ]، ونزل: { أَلم تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ } - إلى -: { نَصِيراً }.
وقال الإمام ابن إسحاق - رَضِي اللّهُ عَنْهُ -: حدثني محمد بن أبي محمد عن عِكْرِمَة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة، حُيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وأبو رافع والربيع بن أبي الحقيق وأبو عامر ووحوح بن عامر وهودة بن قيس. فأما وحوح وأبو عامر وهودة فمن بني وائل وكان سائرهم من بني النضير، فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتاب الأول، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا: دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه، فأنزل الله عز وجل: { أم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } إلى قوله عز وجل: { وَآتَيْنَاهُم مّلْكاً عَظِيماً } وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة، لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين، وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم وقد أجابوهم وجاؤوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم وأصحابه حول المدينة الخندق فَكَفَى اللهُ شَرَّهُمْ.
{ { وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لم يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللّهُ المؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } [الأحزاب: 25 ].