خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً
٩٥
-النساء

محاسن التأويل

{ لاّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ المؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضّرَرِ وَالمجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } بيان لتفاوت طبقات المؤمنين بحسب تفاوت درجات مساعيهم في الجهاد، بعدما مر من الأمر به وتحريض المؤمنين عليه، ليأنف القاعد عنه ويترفع بنفسه عن انحطاط رتبته، فيهتز له رغبة في ارتفاع طبقته، قاله أبو السعود.
وأصله للزمخشري حيث قال: فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان، فما فائدة نفي الاستواء؟ قلت: معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه، وفي ارتفاع طبقته، ونحوه:
{ { هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلمونَ وَالّذِينَ لا يَعْلمونَ } [الزمر: 9]، أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليُهاب به إلى التعلم ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم. انتهى.
والمراد بهم، وقت النزول، القاعدون عن غزوة بدر والخارجون إليها، كما رواه البخاريّ والترمذيّ عن ابن عباس، وقوله: { غَيْرُ أُوْلِي الضّرَرِ } مخرج لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد: من العمى والعرج والمرض، عن مساواتهم للقاعدين، فإنهم مساوون المجاهدين بالنية، ولا يعتد بزيادة أجر العمل لهم لعظم أمر النية.
كما روى الإمام أحمد والبخاريّ وأبو داود عن أنس؛ أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال:
" إن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه ، قالوا: وهم بالمدينة؟ يا رسول الله ! قال: نعم، حبسهم العذر " ، وفي هذا المعنى قال الشاعر:

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً
إنا أقمنا على عذر وعن قدر ومن أقام على عذر كمن راحا

وروى البخاريّ عن البراء قال: لما نزلت: { لاّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ المؤْمِنِينَ } دعا رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم زيداً فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته، فأنزل الله: { غَيْرُ أُوْلِي الضّرَرِ }.
وفي رواية للبخاري عن زيد: فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ، قال: يا رسول الله ! والله ! لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى، فأنزل الله على رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وكان فخذه على فخذي، فثقلت عليّ حتى خفت أن ترضّ فخذي، ثم سرّى عنه فأنزل الله: { غَيْرُ أُوْلِي الضّرَرِ }.
وقوله تعالى: { بِأَمْوَالِهِمْ } أي: التي ينفقونها على أنفسهم في الجهاد أو على مجاهد آخر.
{ وَأَنفُسِهِمْ } أي: التي هي أعز عليهم من كل شيء، وإن أنفق عليهم غيرهم إذا لم يكن عندهم مال.
قال أبو السعود: وإيرادهم، يعني الغزاة، بعنوان المجاهدين، دون الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه، كما وقع في عبارة ابن عباس رضي الله عنهما، وكذا تقييد المجاهدة بكونها في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، - لمدحهم بذلك والإشعار بعلة استحقاقهم لعلوّ المرتبة، مع ما فيه من حسن موقع السبيل في مقابلة القعود. انتهى.
وظاهر أن نفي المساواة يسلتزم التفضيل، إلا أنه للاعتناء به، وليتمكن أشدتمكن، لم يكتف بما فهم ضمناً، بل صرح به فقال: { فَضّلَ اللّهُ المجَاهِدِينَ } لأنهم رجحوا جانبه.
{ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ } أي: غير أولي الضرر.
{ دَرَجَةً } في القرب ممن رجحوا جانبه: { وَكُلاّ } أي: كل واحد من القاعدين والمجاهدين.
{ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى } أي: المثوبة الحسنى، وهي الجنة، لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم، والجملة اعتراض جيء به تداركاً لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول.
{ وَفَضّلَ اللّهُ المجَاهِدِينَ } بالجهاد: { عَلَى الْقَاعِدِينَ } أي: بغير عذر.
{ أَجْراً عَظِيماً } أي: ثواباً وافراً في الجنة.