خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ
٤٩
-المائدة

محاسن التأويل

{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } عطف على ( الكتاب ) أي: أنزلنا إليك الكتاب والحكم بما فيه. أو على ( الحق ) أي: أنزلناه بالحق وبـ ( أن احكم ) ويجوز أن يكون جملة، بتقدير: وأمرنا أن احكم. وفي التعرض لعنوان إنزاله تعلى إياه، تأكيد لوجوب الامتثال، وتمهيد لما يعقبه من قوله: { وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ } أي: يصرفوك عنه. وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب. كإعادة ( ما أنزل الله ): { فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي: عن الحكم المنزل وأرادوا غيره: { فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } يعني بذنب التولّي عن حكم الله، وإرادة خلافه، فوضع ( ببعض ذنوبهم ) موضع ذلك. وأراد: أن لهم ذنوبة جمة كثيرة العدد. وأن هذا الذنب -مع عظمة - بعضُها وواحد منها.. وهذا الإبهام لتعظيم التولي, واستسرافهم في ارتكابه, ونحو ( البعض ) في هذا الكلام ما في قول لَبِيد. ( أو يرتبطْ بَعْضَ النفوسِ حِمَامُهَا.. ! ) أراد نفسه. وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام. كأنه قال: نفساً كبيرة ونفساً أي: نفس. فكما أن التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية, فكذلك إذا صرح بالبعض. كذا في " الكشاف ".
وفي " الحواشي ": ومثل هذا قوله تعالى:
{ { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [البقرة: 253]. أراد محمداً صلى الله عليه وسلم؛ وقيل: ذلك من الخصوص الذي أريد به العموم؛ وقيل: أراد العذاب في الدنيا. وأما في الآخرة فإنه يعذب بجميع الذنوب. ولقد تلطف القائل:

وأقول بعض الناس عنك كنايةً خوفَ الوشاة، وأنت كلُّ الناس

{ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } أي: المتمردون في الكفر معتقدون فيه؛ وهذا تسجيل عليهم بالمخالفة. يعني: إن التوليّ عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر. والجملة اعتراض تذييليّ مقرر لمضمون ما قبله. ونظيرها قوله تعالى: { { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103]. وقوله تعالى: { { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [الأنعام: 116].
روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صلوما، وعبد الله بن صوريا، وشاس بن قيس؛ بعضُهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد ! إنك قد عرفت أنّا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم. وأنا -إن اتبعناك -اتبعنا يهودُ، ولم يخالفونا. وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك. فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عزّ وجلَّ فيهم: { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ... } الآية.